تعود أسباب نشأة هذا الاتجاه إلى اختلاف آراء الكتاب وتباين وجهات نظرهم حول طبيعة النظرية السياسية التي يحكم بها المسؤولون مسار الثورة أو قيادة الشعب.وقد كان للمشاريع الاجتماعية التي ظهرت بعد الاستقلال تأثيرات مباشرة في وجود بعض التباين والاختلاف في الأسلوب والهدف، وكان لذلك تأثير في تنوع الموضوعات القصصية.وأبرز قاص اتضحت معالم هذا التنوع في نتاجه القصصي هو الطاهر وطار خصوصاً فيما كتبه بعد الاستقلال وقد تأثرت كتاباته تأثراً قوياً باتجاهه الفكري، حتى إن بعض الباحثين ذهب إلى أنه "كاتب فكرة بالدرجة الأولى، وهو إن كتب قصة، فإنما ليعبر عن موقف فكري يشغل باله منذ زمن" ، كما رآه بعضهم الآخر "اختار لنفسه معالجة القضايا السياسية، من خلال تجسيد الأزمات والصراعات الأيديولوجية النابعة من رؤيته لهذا الواقع..ويكشف التحليل التالي صدق ما ذهبت إليه هذه الآراء، على أننا سنركز على قصتين اثنتين تعدان نموذجاً راقياً للأدب السياسي الذي يهتم برسم الشخصية السياسية، وهاتان القصتان هما: "الحوت لا يأكل" ، وقصة "اشتراكي حتى الموت" .فبطل قصة "الحوت لا يأكل" جعل من عملية صيد "الحوت" هواية يمارسها في كل يوم من أيام عطلته الأسبوعية، وكان مثقفاً خبيراً بالوضع السياسي العربي المعاصر خبرة عميقة، ونرى من خلال التداعي والحوار النفسي أنه يقدم تشريحاً للواقع السياسي والمزالق الخطيرة التي وقع فيها قادة الشعوب العربية.ويثير عنوان القصة أسئلة عديدة، ويتضمن دلالات متنوعة وعميقة، فما الحوت؟ ولم لا يأكل على غير عادته؟ إن مصطلح "الحوت" في القصة يتضمن معنيين:
1-المعنى الأصلي
وهو السمك، ويتضح ذلك من خلال علاقة الصياد بالماء وبالحوت، وتوجد في القصة عدة قرائن تدل على ذلك، كقول المؤلف: "انهمكت في تركيب الصنانير وإعداد الطعم" ، وكذلك قوله: "كنت قد فككت الخيوط من بعضها، وسويتها في الجرارتين، ووضعت قطعتي الرصاص في موضعهما، وركبت في رأسي من الخيطين صنارة، راعيت أن تكون واحدة كبيرة..
2-المعنى الثاني
رمزي، وذلك لما تتضمنه هذه الكلمة من كثرة وضعف، ومعناه هنا الشعب، وفي القصة عدة إشارات تدل على ذلك، منها أن الكاتب ربط حدث صيد الحوت بوصف واقع الشعب العربي، وكذلك ربط بين عالم الصيد الفردي وهمومه، وبين عالم الشعوب العربية والبلايا التي ابتليت بها .أي: أن شخصية الصياد في القصة ترمز إلى أن اجتماع الحوت مع الصياد يعني اجتماع الشعب مع الشخصية، ويرجح أن شخصية هذه القصة، هي أميل إلى الشخصية السياسية منها إلى شخصية الصياد، بدليل عدم اهتمام القاص بتصوير صفاتها البارزة قدر اهتمامه بالتعبير عن مواقفها من الوضع السياسي العربي وعدم كفاءة الحكام العرب في قيادة شعوبهم.وقد جاءت هذه الآراء على لسان الصياد في أثناء تداعياته خلال انهماكه في فك الصنارة عن بعضها.كقوله: "وضحكت حين خطر لي أن الشيء الوحيد، الذي لايمكن أن ينجح فيه العرب هو السياسة، يقين أنه الميدان الأمثل الذي يلجأون إليه لكي لايمارسوا أي عمل، كل السياسيين العرب فنانون مخفقون، وجدوا ملجأ للتعبير وإرضاء الذات في