يعد محمد السعيد الزاهري أول كاتب جزائري حاول كتابة"القصة القصيرة" باللغة العربية، فقد نشر في العدد الثاني من جريدته"الجزائر" ، التي أصدرها عام 1925 محاولة قصصية بعنوان: "فرانسوا والرشيد".يدور حدثها حول طفلين: أحدهما(الرشيد جزائري الأصل مسلم العقيدة، بينما الثاني(فرانسوا) إسباني الأصل، فرنسي الجنسية، وقد نشأا نشأة واحدة، حيث ولدا في حيّ واحد، ودرسا في مدرسة واحدة، وتعلما مبادئ الثورة الفرنسية التي تدعو إلى المساواة والحرية والعدالة تعلماً متكافئاً.فآمن(الرشيد) بها ووضع ثقته كلها في الإدارة الفرنسية، إلا أنه أصيب بخيبة أمل كبرى بعدما استدعي هو و(فرانسوا) إلى الجندية الفرنسية وبدأ زميله يرتقي بسرعة مدهشة ويحصل على الرتب العسكرية الواحدة تلو الأخرى، إلى أن وصل إلى رتبة"كولونيل جنرال"، بينما بقي هو جندياً بسيطاً وقد ترك هذا في نفسه ألماً شديداً أودى به إلى القنوط فاليأس فالانتحار.وقد أحدثت هذه القصة أثراً بليغاً في المثقفين والقراء حين نشرها، فتعاطفوا وتضامنوا مع بطلها(الرشيد) إلى درجة أن جريدة"المنتقد" نظمت سنة 1925م مسابقة أدبية لرثاء شخصيتها المحورية(الرشيد) شارك فيها العديد من الشعراء البارزين من مثل: محمد العيد آل خليفة الذي نظم قصيدة بعنوان: "رثاء رشيد" جاء فيها:"نعم لك في العلى عمل مجيد ولكن ما جزاؤك يا رشيد؟ أمتَ على الصبا أسفاً وحزناً كذلك ينتج الضغط الشديد علام"فرانسوا" يعلوك كعبا وأنت لمثله الكفؤ الوحيد ألم تك يا رشيد له شقيقا زمان أبوكما العلم المفيد وكنت بجنبه في الحرب لما أمض قواكما الجهد الجهيد حياتك كلها مأساة حزن يشيب لهول منظرها الوليد" عد بعض الباحثين نشر قصته"فرانسوا والرشيد" في منتصف العشرينات شجاعة سياسية كبيرة تبينوا منها مدى انتشار الوعي السياسي الوطني بين الكتاب والأدباء الجزائريين ، في تلك المرحلة الزمنية العسيرة، حيث كانت الإدارة الاستعمارية تتربص بكل وطني، وتترصد خطواته وتحركاته.وقد اتبع محمد السعيد الزاهري هذه القصة بمحاولات قصصية أخرى نشر معظمها في مجلة"الفتح" الإسلامية بالقاهرة، ثم جمعها أحد أعلام ذلك الوقت العلاّمة الشيخ محب الدين الخطيب في كتاب مستقل صدر في سنة 1347هـ/ 1928م، وحظيت قصص هذا الكتاب بصدى واسع في الأوساط الثقافية الجزائرية والعربية، فقد نوه به أمير البيان شكيب أرسلان وعدّ محمد السعيد الزاهري أحد أركان الأدب العربي الأربعة في الجزائر وهم: "الزاهري وابن باديس والعقبي والميلي" .وعبر الشيخ عبد الحميد بن باديس عن إعجابه بأسلوب القصص، وبموضوعاتها الإصلاحية، فنشر مقالاً عنها في مجلة(الشهاب) في شعبان 1350هـ، جاء فيه"عرفنا شاعر الجزائر الشيخ السعيد الزاهري شاعراً خنديداً، وعرفناه كاتباً رحب البيان بليغاً، وعرفناه في هذا الكتاب داعية إسلامياً كبيراً، وقد خاض مسألة الحجاب، والمرأة الجزائرية ومسألة الإسلام، والتغرب والشبيبة المتعلمة فأبان من الحقائق، وأقام من الحجج مالا يلقاه أشد الخصوم-إذا أنصف- إلا بالإكبار والتسليم وساق ذلك كله في أسلوب من البلاغة الشبيه بالروائي.سهل جذاب لا تستطيع إذا تناولت أوله أن تتركه قبل أن تأتي على آخره..وأهم مواد الكتاب التي توفرت فيها عناصر القصة كالحوار والشخصيات والأحداث قصص"عائشة"، و"الكتاب الممزق"، و"صديقي