أفاد أعلام هذه المرحلة من الأدب القصصي الحديث وتقنياته، إذ وظفوا في كتاباتهم جل أساليب الكتابة القصصية المعروفة آنذاك.ويرينا التحليل التالي مدى إفادة هؤلاء الأعلام في عرض الحدث القصصي والتعبير عن أفكارهم مما يبين التطور الفني عند كل قاص.بدأ عبد الحميد بن هدوقة قصته "زيتونة الحب" ، من عقدتها رأساً، حيث استهلها بموقف غامض متشابك مثير لأسئلة عديدة.يتمثل هذا الموقف في شجرة الزيتون التي كان يلتقي تحت أغصانها (سعد) و(باية).وقد أحاط القاص هذه الشجرة منذ البداية بهالة تثير الحيرة لدى المتلقي، وذلك من خلال الاهتمام بها عن طريق الوصف وأحاديث سكان القرية الكثيرة والمتناقضة.كما أن موقعها هو نفسه يثير فضول المتلقي، فهي تقع فوق ربوة تشرف على القرية يميناً، وعلى المقبرة يساراً، وقد عصفت بأوراقها ريح عاتية في أيام فصل الصيف، وبقيت لمدة سنين عارية من دون أوراق، ولا اخضرار في جميع الفصول..وإذا كان النص القصصي علل سبب عرائها وذلك بهبوب ريح قوية في أحد أيام فصل الصيف، فإن سكان القرية قد آمنوا بتفسير خرافي، لا يزيد الواقع الأدبي إلا أسطورة: "فهم جميعاً يعتقدون بأن مارداً من الجن هو الذي عصف بأوراقها عندما نزح منها..ولكي يفسر عبد الحميد بن هدوقة هذه العقدة، فإنه أنشأ قصة عاطفية داخل القصة الأسطورية بين (سعد الله) و(باية)، ونقد من خلالها بعض العادات السائدة في الريف الجزائري، خصوصاً تلك التي لا تسمح لشابين تحابا أن يلتقيا منفردين تحت ظلال شجرة، ولعله لهذا السب جعل موقع الشجرة بين القرية والمقبرة، وهو تهديد لمن يتجاوز (حدود) القرية فإنه سيجد نفسه في المقبرة.وقد كان كذلك مصير (سعد الله) و(باية) عندما تجاوزا (حرمة) القرية، وحاولا أن يتجاوزا عاداتها التي توارثها سكانها جيلاً بعد جيل، وحينما لدغت أفعى مختبئة في أحد جحور الشجرة يد (سعد الله) ومات على أثرها لم يجد السكان إلا التفسير الأسطوري جاهزاً أمامهم، ولم يحاولوا إيجاد سبب آخر، حيث أجمعوا على أن سبب موته المارد الذي يسكن الزيتونة عاشق باية ، وقد لدغت الأفعى (باية)، وبالطريقة نفسها رد الناس سبب موتها إلى غضب المارد عليها .وبهذا التفسير الساذج، والسطحي للحدث تأتي القصة على النهاية مرسخة بذلك المعتقدات الشعبية والأسطورية في المجتمع، الريفي، والحق أن الباحث ليحار حول هذا الاختيار الذي آثره ابن هدوقة، أهو إيغال في الواقعية، أم مشاطرة السكان فيما يعتقدونه، ولو كان خرافياً وبسيطاً،