شخصين، وأما (ضمير المتكلم) فيستعمله في أثناء حديث الشخصية إلى نفسها.
وعموماً يستخدم دودو ضمير الغائب ليصوغ به أحداثاً منتهية أو ليصور به أحداثاً يأمل أن تزول من الواقع الحياتي.
إن ضمير الغائب في القصة الجزائرية يعد أغزر الضمائر حضوراً، وذلك لأن معظم الأحداث التي صيغت به قد جرت في زمن ماض.
3-أسلوب الرسالة
يعد شكل الرسالة، من بين الأشكال التعبيرية التي استعملها القاصون الجزائريون لعرض الأحداث القصصية.
إن هذا الشكل يتيح إمكانية طيبة للشخصية لأن تخاطب أحاسيسنا مباشرة وبعفوية، ومع ذلك فإن الرسالة تفتقر إلى إمكانيات فنية، مما يجعلها غير قادرة على رسم الشخصية الأدبية رسماً دقيقاً.
ولكي يتضح دور هذا الشكل في بنية الحدث، فقد ارتأينا أن نركز تحليلنا على بعض النماذج القصصية التي صيغت بهذا الأسلوب.
ففي قصة "الصديقة المجهولة" ، لابن هدوقة ثلاث رسائل متبادلة بين الزوج (عابد) وزوجته (نجاة) -الصديقة المجهولة- وقد كان تأثير هذه الطريقة في مسار الحدث كبيراً، حيث استعاد (عابد) نشاطه ومرحه، كما صار يعامل زوجته بلطف ومحبة، ويعتني بهندامه كثيراً بعد ما كانت علاقتهما الزوجية معرضة للانهيار..
وأثرت هذه الرسائل كذلك في نمو الحدث، وقد نجح ابن هدوقة باستعمالها في أن يعبر عن رأيه في عاطفة الحب التي هي عنده أساس الحياة الزوجية وليست رابطة لانتاج الأولاد.
وفي قصة (الكاتب) ، أثرت رسالة إحدى المعجبات بقصص البطل تأثيراً شديداً في نمو الحدث القصصي، إذ قرر الكاتب عدم دفع مجموعته القصصية للناشر إثر المناقشة الحادة التي جرت بينهما، ولكنه عدل عن قراره عندما أطلعه محاسب الناشر على الرسالة، وقد وصف إحساسه بعد مطالعة الرسالة بقوله "ما كدت أفرغ من قراءة الرسالة حتى أحسست بالدموع تملأ عيني..
ورجعت إلى دار النشر ودخلت إلى مكتب الناشر مطأطئ الرأس وآثار الدموع ما تزال على مآقي، وقلت له في تلعثم: عفواً، لقد عدلت عن رأيي السابق، وعدت إليك بالمجموعة لنشرها وأرجوك أن تنشرها في أقرب مدة ممكنة".
واتخذت قصة "رسالة ثائر" ، لدودو شكل الرسالة، حيث بعث بطل القصة وهو في الجبل، رسالة إلى والدته، فاتضحت حياة المجاهدين، وقسوة جنود المستعمر ، ولو بطريقة مباشرة ومع ما فيها من أسلوب خطابي .
ولا تزيد قصته "إليك يا أخي" عن كونها نص رسالة شخصية، ضمنها القاص أحاسيسه الوطنية، وحنينه إلى بلاده، ومجموعة من النصائح تحث أبناء الجزائر على الجهاد والاستمرار في مقاومة العدو، وذلك بأسلوب حماسي، هو أقرب إلى أسلوب الخطابة وروحها منه إلى التعبير الفني .
وليس في القصة أي تركيز على رسم الشخصية، فالمجاهد الذي أرسلت الرسالة إليه لم يقم بأي دور، ويبدو أن هذا الشكل لا يناسب الموضوعات الوطنية بقدر ملاءمته للتعبير عن الموضوعات الوجدانية والعاطفية.
واستعمل وطار أيضاً شكل الرسالة في قصة: "الرسالة" ، لتصوير موضوع النضال السياسي في تونس والسرية التي اتصف بها أعضاء الخلايا الثورية.
إن كاتبة الرسالة، وهي إحدى المناضلات ورفيقة لرئيس الخلية "المختار" عبرت عما أرادته من حديث عن نشاطها النضالي، وأعمالها الفدائية البطولية التي رقيت على أثرها إلى عضوة في خلية حزبية سرية وصورت بالتفصيل الحياة النضالية لـ "المختار" وهجوماته العنيفة الموفقة ضد الاستعمار وعملائه.
ولكنها بعد هذا كله، وما إن انتهت من الكتابة حتى أحرقت الرسالة.
لقد تذكرت أوامر المسؤولين.
هنا وفق وطار توفيقاً كبيراً في تصوير الحدث، ومع أن بطلته أحرقت الرسالة، فإنه نجح في توصيل أفكاره بذكاء فني عبر فيه عن نضال بعض اليساريين ، في تونس ضد الاستعمار الفرنسي وأعوانه.
وللدكتور محمد الصالح الجابري رأي مغاير لما جاء به القاص، إذ قال عن القصة: "إن الماركسيين في تونس، وفي هذه الحقبة بالذات التي تحدث عنها الكاتب لم يكن لهم دور لا بصفة سرية، ولا علنية، ولم يسهموا بأي شكل من الأشكال في الحركة الوطنية المسلحة منها أو السياسية، لذلك فإن "رسالة" تعكس أفكار مؤلفها أكثر من التزامها بالواقع والحقيقة التاريخية .
ومهما اختلف النقاد في موضوع القصة واتجاهها الفكري، فلا أظنهم إلا أن يتفقوا على مقدرة القاص على التصوير والإبداع والتعبير عن أفكاره، ورأيه الأيديولوجي بشتى الطرق والسبل.
وعلى كل، فقد تنوعت أساليب التعبير عند