قامت الصحافة بدور كبير في نشر الفنون الأدبية بين مختلف البيئات الأدبية العربية منذ ظهورها في ربوع الشام، ومصر وبقية الأقطار العربية الأخرى.ومن المجلات التي يدين لها الفن القصصي في تطوره، وذيوعه، مجلة الجنان بلبنان، وكذلك الصحف والدوريات المصرية التي ظهرت منذ أواخر القرن التاسع عشر كالهلال والمقتطف، واللطائف، والأهرام، والضياء، والمشرق، حيث خصصت هذه المنابر في أعدادها أبواباً ثابتة للقصة.لقد كانت الصحافة وما تزال من أهم الوسائل المساعدة على انتشار فن القصة والتعريف بالعمل الأدبي وبصاحبه خارج بيئته، لذلك فإننا نحث على ضرورة الحفاظ على هذه الوسيلة، والعمل على تطويرها، وإنها مظهر من المظاهر المنعشة لحضارة الإنسان ورقيه.
3- أصول القصة القصيرة في الأدب الغربي
يرجع النقاد الغربيون أصول القصة القصيرة في الأدب الغربي الحديث إلى النماذج القصصية الأولى التي ظهرت في القرن الرابع عشر بعنوان الديكامرون DECAMERON على يد الكاتب الإيطالي بوكاشيو جيوفياني GIO - VANI BAUCCION(1313-1375م).فقد كان يروي خبراً، ثم يشرع في تفصيله إلى أن يشد انتباه القارئ أو السامع إليه.وبعده صار الكتاب يركزون اهتماماتهم على واقعة مثيرة إلى أن ينهوا قصصهم، بحالة واحدة من الحالات الثلاث: الموت أو الفراق أو الزواج.وظلت هذه العناصر تمثل ملامح القصة القصيرة إلى أن جاء الكاتب الفرنسي غي دي موبسان GUY DE MAUPASSANT (1850- 1893) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وأعطى مفهوماً أدبياً للفن القصصي يغاير الواقع الحياتي الذي اهتمت القصة قبله بتصويره.ولهذا يعد موبسان رائد القصة القصيرة إبداعاً وتنظيراً.ويرجع سبب كنهه لأسرار القصة القصيرة إلى إيمانه الشديد بالواقعية الجديدة التي ترى أن الحياة تتكون من لحظات منفصلة، وأن دور القصة يقتصر على تصوير حدث، من دون الاهتمام بما قبله أو بعده.وهذا هو الشكل الذي استقرت القصة القصيرة عليه، واعتمد ركيزة لها، كما حافظ عليه كتاب القصة بعد موت موبسان.ويمكن للباحث أن يلاحظ أثره في كتابات: كاترين مانسفيلد KATRIN MANSFIELD ، وارنست همنجواي HERNEST HEMINGWAY ولويجي براند للو.وتعد الظروف السياسية والاجتماعية للقرن التاسع عشر إحدى العوامل الأساسية في بروز الخصائص الفنية للقصة القصيرة، فالحياة الصناعية الجديدة وتوق الإنسان للمزيد من الاكتشاف والاختراع أدى إلى تقلص الوقت الذي كانت تتميز به حياة الفرد، وتبدل الظروف وتغير مفاهيم كثيرة، كان من الضروري أن يصاحب هذا التحول تغير في معمارية الفن القصصي.ويؤيد الأستاذ أحمد المديني هذا الرأي فيعزو تطور فن القصة القصيرة في الأدب الغربي إلى التطور الصناعي الهائل الذي قلص حجم الوقت، فصار الناس يفرون من الأعمال الأدبية الطويلة إلى القصيرة، وهكذا جاءت القصة القصيرة لتسد هذه الحاجة.نخلص من التحليل السابق إلى أن شكل القصة القصيرة لم يتبلور بعناصره الفنية إلا في القرن التاسع عشر ، ومن الذين أسهموا في توضيح مفهومها النقدي الحديث القاص والشاعر الأميريكي: أدغار آلان بو ADGAR ALLAN POE -(1809- 1849م) وغي دي موبسان الفرنسي GUY DE MAUPASSANT
4- تحديد مصطلح القصة القصيرة
يثير مصطلح"القصة القصيرة" جدلاً كبيراً بين النقاد والمبدعين في الدراسات النظرية، وسبب هذا الاختلاف راجع إلى تشعب منابع الثقافة الأجنبية التي أخذ عنها الأدباء والنقاد العرب مصطلحاتهم، وهذا ما سأعرض له بإيجاز فيما يلي، بقصد الاقتراب-وإن كان صعباً- من روح القصة القصيرة ودلالة مصطلحها.
أصل المصطلح
يعثر الباحث في اللغتين الإيطالية والألمانية على التعبيرين: نوفيللا(NOUVILIA) ونوفلين(NOUVELLDN)، ويقابل هذين المصطلحين في اللغة الإنجليزية كلمة(NEWS)، وتعني الأخبار الحديثة.وتعني كلمة(NOUVELLE) في اللغة الفرنسية قصة، فإذا علمنا أن هذه المصطلحات: كلمة(حكاية العربية)، وكلمة(CONTE) الفرنسية، وكلمة(TALE) الإنجليزية تعني جميعها سرد مغامرات لا تستند على الواقع الحياتي للإنسان، وإنما على الخيال والأساطير وتهدف إلى التسلية.فإن الذي نخلص إليه، هو أن مصطلح القصة القصيرة، نقل عن المصطلح الإنجليزي(SHORT