خاتمــــة الفصــــل الثـــــالث - تطور البنیة الفنیة فی القصة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
صفاتها والأنواع الخيرة ولها صفاتها أيضاً.
بينما الحكاية الثانية تعتمد على الحادثة الواقعية والشخصية البسيطة، وهي تأتي في كثير من الأحيان لتنقض الحكاية الأولى، وتشكك في قدرتها.
ومثال ذلك قصة "الأشعة السبعة" ، فهي تتوافر على حكايتين:
1-تروي قصة غرق والدة الطفل في البحيرة، وتفسير عامة الناس لذلك، حيث أجمعوا على أن العملاق الذي يقطن داخل البحيرة هو الذي اختطفها "ومن ذلك اليوم ازداد عملاق البحيرة في رؤوس سكان القرية طولاً وعرضاً..
2-وتهتم الحكاية الثانية بسرد قصة الطفل، وسبب مرضه بداء البكم.
إذ أكد جميع الأطباء الذين فحصوه بأن آفته "طبيعية تكونت فيه يوم أن تكونت أجزاؤه في بطن أمه، واتفق جميع من يعرفه على أنه ولد أبكم ".
إلا أن الحدث القصصي أثبت في نهاية القصة أن مرض الطفل نفسي، وأنه فقد حاسة النطق في أثناء غرق والدته في البحيرة.
ولا تبين قيمة الحكايتين إلا من خلال فك رموز الشخصيات والأحداث، فإذا علمنا أن الأم ترمز إلى الأرض أي إلى الوطن الجزائري وأن العملاق هو رمز للوجود الاستعماري، واعتقاد عامة الشعب بقدرة العملاق وقوته وهو رمز للفكر الاستعماري.
أما الطفل فهو يرمز إلى جيل أول نوفمبر 1954م الذي عقد العزم على تحرير البلاد وحل عقدة الشعور بالضعف.
ووظف أبو العيد دودو في قصته "المرابطة" ، شخصية أسطورية لحكاية شعبية منتشرة في منطقة الشمال القسنطيني خاصة، وأساس هذه الشخصية الخرافية أنها نسخت من امرأة عجوز، كانت قد نظفت ابنها بورقة من "الفتات" .
وقد جاءت ملامح (المرابطة) على لسان (مصطفى) الذي هدد أخاه الصغير عمر بمجيء (المرابطة) لتنزع منه إحدى أذنيه إذا لم يمنحه نصيبه من اللحم .
وتتضح من خلال تركيزه على وصف مظهرها الخارجي قوتها الخارقة التي تفوق قدرة الكائن البشري، إذ أنها تتميز بغرابة شديدة في بنية أطرافها وأعضاء جسمها، فهو يشبه فمها (بالجابية) في الاتساع، بينما شبه لسانها بسيف (علي) في قوة القطع ، كما وصف بعض أطرافها بالطول كما في قوله: "جالسة فوق البلوطة، يداها تتدليان إلى الأرض أنها تشرب من الشعبة، وعيناها تشتعلان كالنار، ولسانها يلمع كالبرق وقد حزمت بشعرها..
وإذا كان دودو قد وفق في رسم هذه الشخصية الخرافية عن طريق تصوير مظهرها الخارجي، ووصف الأعمال التي تقوم بها، وأفاد كثيراً من زمن السرد حيث الليل في ظلمة شديدة وريح عاتيه ورعد قاصف -وجعل الظواهر كلها تتعاون على خلق توتّر حاد في نفس الطفل عمر، فإنه لم يتجاوز بذلك عتبة النص الشعبي، ولم يضف عليه بعداً رمزياً، ذا دلالة سياسية أو اجتماعية ولم يوظفها كرمز لعنصر الشر كما فعل ابن هدوقة في قصته "الأشعة السبعة".
إن وظيفتها في القصة لا تتجاوز وظيفتها في النص الأصلي أي الحكاية الشعبية التي تروي للأطفال في بيئات شديدة الفقر والتخلف، حيث لا يزال للقوى الغيبية سلطانها على عقول الأهالي.
لقد اهتم القاصون الجزائريون في هذه المرحلة بتصوير شخصياتهم الفنية والتعبير عن ملامحها النفسية والمادية، وأولوها عناية كبيرة للتعبير عن الحدث القصصي.
تنوعت الشخصيات الفنية تنوعاً كبيراً متأثرة في ذلك بالظروف السياسية الجديدة، خصوصاً في أثناء الحرب التحريرية، حيث ظهرت أنواع من الشخصيات لم يكن لها وجود في المرحلة السابقة، كشخصية الفدائي والضابط والجندي والقائد.
عمد القاصون إلى عدة طرائق فنية في بناء الشخصيات القصصية، وكان للظروف السياسية والاجتماعية دور هام في تنوع مصادر الشخصية.
وقد أفاد القاصون إفادة كبيرة من هذه المصادر، وأدى هذا إلى ظهور الشخصية السياسية والاجتماعية في القصة.
خاتمــــة الفصــــل الثـــــالث
ويمكننا في نهاية هذا الفصل استخلاص الأمور التالية: أتاحت الظروف الجديدة السياسية والاجتماعية للكتاب الجزائريين أن يطلعوا -وبشكل أعمق من ذي قبل- على الحياة الأدبية العربية الحديثة والمعاصرة، وأن يتمثلوا أشكالها الأدبية الجديدة خصوصاً القصة القصيرة.
كما أتاح لهم تواجدهم في البلدان العربية بسبب الظروف السياسية أو الظروف الحياتية أو ظروف الدراسة فرصة كبيرة للاحتكاك المباشر مع الحركات الأدبية المعاصرة.
وقد ساعدت هذه الظروف على تطور فن القصة القصيرة في الأدب الجزائري المعاصر، وانحصار الأشكال الأدبية التقليدية.
كالخطابة وأدب الرحلات والمقامات والمناظرات، كما أفلت الموضوعات