تطور البنیة الفنیة فی القصة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
خاصة الأيديولوجية والاجتماعية، وعد القاص الوحيد من بين كتاب القصة القصيرة الذي اقتحم بشجاعة كبيرة "حرمة" الواقع السياسي والعسكري.فإنه على صعيد البعد الجمالي لفن القصة القصيرة لم يتمكن من التخلص نهائياً من القصة الكلاسيكية، ومن وحداتها الثلاث مقدمة -عقدة- حل، وقانونها السببي حتى في مجموعته القصصية الأخيرة: "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" .ويعني هذا أن وطار اهتم في بعض قصصه بالموضوع على حساب العناصر الفنية، وقد قاده هذا الانحياز في العديد من القصص ليتجاوز حدود نوع أدبي ليخترق عالم لون أدبي آخر..ويعنينا في هذا الجزء كيفية توظيفه الطريقة التقليدية في بناء الحدث القصصي.تعد قصة "نوة" ، من أهم القصص الجزائرية التي صورت الحرب التحريرية، وعبرت عن شجاعة الثوار وصمودهم، لذلك فإن حدثها الرئيس يدور حول إبراز بطولة المجاهد الجزائري، وإيمانه بتحرير بلاده من ربقة المستعمر والطغيان.ولكي يصور هذا الحدث تصويراً فنياً، ويعبر عن الصورة التي في ذهنه عن بطولة الإنسان الجزائري وعظمة تضحياته، فإنه حشد مجموعة من الوسائل أهمها تنوع الأحداث وتعدد الشخصيات، وبذلك وفق الطاهر وطار توفيقاً كبيراً في التعبير عن الحدث القصصي، وتعد شخصية (نوة)- وهي أبرز شخصية في القصة- نموذجاً عالياً للمرأة الجزائرية الواعية، حيث تقوم بكل أمور البيت بعد أن التحق زوجها (جبار) بالجبل.وفي الوقت نفسه تمتلك قدراً كبيراً من الوعي الوطني يتجلى في الألقاب التي أطلقتها على ديكتها ومما يزيد اعجابنا ببناء هذه الشخصية الفنية العلاقة المصنوعة بين أسماء ديكتها وألقاب بعض أعوان الاستعمار، ويبين النص التالي قدرة القاص على التعبير الذكي الفطن "كان القائد هو الديك الأحمر الكبير والخوجة هو الديك الأبيض الهزيل، أما الشامبيط فإنه الديك الأزرق الصغير؟ وقد أطلقت عليها هذه الأسماء منذ نمو ريشها، وكانت الثورة إذ ذاك قد أولت عنايتها إلى القضاء على الخونة وأذناب الاستعمار، فلا يكاد يمر يوم دون أن يصبح قائد أو خوجة أو شامبيط مذبوحاً أو مفقوداً" وقد قاد شغف القاص بنشر الوعي الوطني لأن يصور بعض المواقف على لسان الأطفال رغم حداثة عهد الثورة وأسهمت هذه المواقف جميعاً في بناء الحدث الرئيس، فقد جعل الطفل ابراهيم من أصداف الحلزون جيشين متعاديين: جيش قوي هو جيش المجاهدين، وجيش قليل الأفراد هو جيش المستعمر، ثم أدار معركة حامية الوطيس بينهما .وتحتوي مقدمة هذه القصة على أفكار غزيرة، وهو الأمر الذي لا تطيقه مقدمات القصص القصيرة.وقد يقطع القاص تنامي الحدث بحوادث أخرى، كاشتباك المجاهدين مع قوات العدو ، وكذلك تداعيات (نوة) وسردها قصة حبها لجبار قبل زواجها منه بعد أن فرت معه من بيت والدها ، ومع هذا فإن الحدث يتنامى بسرعة، بعد أن تتسلم (نوة) رسالة من (جبار) يخبرها أنه سيزورها قريباً.وبينما هي تستعد لاستقباله دخل عليها ولدها عمار وأخطرها بأن عسكر العدو وطائراته ودباباته قادمون، فتركت كل شيء، وركضت نحو الجبل، حيث دارت معركة كبرى بين قوات العدو، وجيش جبهة التحرير..وشاركت (نوة) في المعركة بطريقتها، إذ ما إن كادت تنبطح خلف صخرة كبيرة حتى أطلقت زغاريد تملأ الفضاء مرحاً وتحث الثوار على القتال والصمود، بعد هذا تأتي النهاية، وتلتقي (نوة) و(جبار) وابنهما (عمار) دون (ابراهيم) الذي التهمته النيران، وهو الحدث الذي ظل القاص يجري وراءه بشتى وسائله الفنية، فقد آثر أن يكون اللقاء في الجبل بدل البيت، كما آثر أن تكون المعركة بين جيش جبهة التحرير، وجيش العدو معركة حقيقية، وليس كما أرادها الطفل إبراهيم في رحبة المنزل بين أصداف الحلزون ويسقط خلالها ضباط وجنود وخونة، وطائرات ودبابات بدلاً من سقوط الديكة والريش الذي يشبه لون برنس "القايد" أو "الشامبيط" أو "الخوجة".ولعل المعنى القصصي يكمن في تحول الوعي الوطني من حالة سلبية إلى حالة وعي إيجابية، لأن النصر لا يأتي إلا بالمعارك الحقيقية الكبرى.وقصة "محو العار" شبيهة في طريقة صوغ الحدث بقصة "نوة"، فقد وظف وطار لتصويره عنصر الشباب الذي جسدته شخصية "مساعدية بلخير"، ثم كثرت الأحداث، والأمكنة التي كان لها دلالات معينة أثرت تأثيراً مباشراً في شخصية البطل، وعملت فيه تغييراً داخلياً بطريقة تتابعية هادئة هدوء عنصر السرد الذي ارتكز عليه القاص في نقل أحداث قصته "محو العار"، إلا أن الحدث القصصي أخذ في التدرج بحذر شديد نحو القمة، كلما بدأ الوعي الوطني ينمو في نفسية (بلخير)، وقد اختار القاص وسيلة السفر والارتحال ومغامرات الغربة،