تطور البنیة الفنیة فی القصة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
بركة دم متشبثين بالخبز، وعلى ظهريهما أكياس يحملانها إلى الطاحونة على الضفة الأخرى، ليبعثا جعجعة جديدة ولكن بالطحين هذه المرة..وقد جعل الطاهر وطار في قصة "الزنجية والضابط" للشخصية دوراً رئيساً، فهي التي تقوم بالحركة، وتتضمن في الوقت نفسه المعنى القصصي، إذ تدّل كل شخصية على الفئة التي تنتسب إليها ما عدا شخصية (الزنجية)، فهي ترمز إلى الوطن.وتتحدد مواقف كل شخصية من خلال علاقتها بالزنجية، وما ترغبه منها، ويمكن تحديد ميزان القوى على النحو التالي: -السلطة العسكرية =العقيد+ السائق+ السيارة.-السلطة الحزبية =ممثل واحد عن الحزب.-سلطة الفئة المثقفة= الصحفي.-سلطة الشعب= الزنجية.وهكذا فإن السلطة العسكرية في دول العالم الثالث هي الأكثر تمثيلاً وبذلك فهي القوى التي تملك أدوات التنفيذ والاستيلاء على خيرات البلاد.ونجد في القصة شخصية العقيد، وهو رمز السلطة العسكرية الاستغلالية، إن أول ما تثيره شخصيته في نفس المتلقي هو تركيز القاص على وصف مظهره الخارجي، وهو تركيز مقصود لا يخلو من إشارة إلى الوضع الاجتماعي الجيد الذي تتمتع به هذه الفئة في العالم الثالث، فهي إذا كانت تهتم بتلميع مظاهرها الخارجية، فإن بواطنها مناطق موبؤة يعمها الفساد والاهتراء..وقد عبر القاص عن هذه الصورة الخفية بطريقتين: -الأولى تظهر من خلال تصرفات الضابط مع الزنجية، حيث يحاول استغلالها، وامتهانها لولا احتماؤها بالصحفي، ويعبر هذا اللجوء إلى الصحفي عن ثقة الشعب في مثقفيه الثوريين، وأن خلاصه لا يكون إلا عن طريقهم.-وتظهر الثانية من خلال تصرفات زوجته التي تبدو زوجة مستهترة بالعلاقة الزوجية فهي، تخون زوجها مع جنود بسطاء ذوي عاهات جسمية.وتومئ صورة شخصية الفئة المثقفة إلى وضعها الاجتماعي البائس "جاء الصحفي يجرجر قدميه، بثيابه المتنافرة، ومصورته المتدلية في صدره، ولحيته الكثة التي لم تلامسها الشفرة منذ أن حل بالصحراء" .إلا أن أطرف هذه الشخصيات، هي شخصية الحزبي الذي احتل المقعد الأمامي إلى جانب السائق، وقد قدمه وطار من خلال تعليقات زملائه، فقد علقت الزنجية عليه حالما ركب السيارة بقولها: "من جانب يكونون نقابة للنساء، ومن جانب آخر يريدون الحفاظ على كل أوضاع النساء) .وكان تعليق الضابط على الحزبي أشد شتماً ونقداً حيث قال: "هذا الحمار ساءه أن تركب الزنجية إلى جانبي، هؤلاء السياسيون يتظاهرون بالبراءة والتقوى بينما هم أكبر المخربين) .أما الصحفي فلمّح في تعليقه إلى أطماع الضابط، عندما تنازل عن المقعد الأمامي للحزبي، فقال: "عندما يتنازل الجيش عن القيادة المباشرة فيقين أن هناك ما هو أهم يشغل باله) .وأخيراً فإن وطارا قد اعتمد على الطريقة نفسها في تصوير حدث قصته، ووفق في التعبير عنه توفيقاً لا حدود له، وبأسلوب ساخر ينم عن ذكاء وموهبة أدبية غنية بالتجارب والخبرات الحياتية فقد أتقن انتقاء شخصياته من واقع العالم الثالث، وجعل كل شخصية تؤدي دوراً لا يخلو من رمز وإيحاء.كما وفق الطاهر وطار في قصة: "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" .في حبك الأحداث، فعالج موضوع انحراف الثورة ودخول عناصر خارجية في مسارها، وقد وظف لذلك رسالة (مزعومة).اكتست في المقدمة طابعاً أسطورياً؟ إذ من يصدق أن الموتى يبعثون رسائل من قبورهم إلى ذويهم؟ لكن مضمون الرسالة هو الهدف، كما أن البيئة السياسية للحدث لعبت دوراً مهماً في تضخيم نبأ الرسالة، وهو الأمر الذي جعله ينتشر بسرعة مذهلة، وينزل على قلوب السلطات المحلية كالصاعقة، فهم الوحيدون الذين صدقوا الرسالة المتضمنة التأكيد على عودة الشهداء خلال أسبوع.إن حركة العودة تعني قلب الوضع السياسي رأساً على عقب، كما تعني تعرف الشهداء على الحقيقة، وهو الأمر الذي رسم وطار صورته بطريقة غير مباشرة، وذلك باعتراف كل مسؤول على حدة، كلما قرأ الرسالة أو بلغه خبر عودة الشهداء.فقد اعترف مسؤول القسمة بخيانته للثورة قبل الاستقلال، وشهد على نفسه في قوله: "لست أدري كيف بلغه أنني وشيت به إلى العدو وأن كميناً نصب له في منزلي، فلم يحضر، "ظل العسكر متخفياً في منزلي شهراً ولم يحضر.واعترف أيضاً رئيس فرقة الدرك بخيانته: "لا أحد يعلم عن أسري يوم المعركة التي استشهد فيها كل أعضاء فرقتنا، ما أن انطلقت الرصاصات الأولى، حتى رفعت يدي