كانت ظروف الإمام عليه السلام قاسية ومرهقة تماما كظروف النبي صلّى الله عليهوآله وسلّم في أول البعثة.. ابتلي النبيبقوم يعبدون الأصنام، و يأتون الفواحش، ولا هادي لهم و دليل، فحاربهم بالقرآن وحاربوه بالسيف و السنان، و ابتلي الإمامبقوم ظاهرهم الهدى، و باطن أكثرهم الغدر والضلال، و هم الذين خاطبهم بقوله: (أقمتلكم على سنن الحق في جواد المضلة حيثتلتقون و لا دليل، و تحتفرون و لا تميهون).كانوا أفرادا و فئات يسيرون في اتجاهاتمتباينة لا يجمعها إلا الفساد و الضلال، وكانوا يلتقون و يتدارسون شئونهم عسى أنيهتدوا الى رشد، و لكن بغير جدوى.. تماماكالذي يطلب الماء بالبحث و الحفر و لا يجدشيئا.. و قد يكون لهم بعض العذر لو لم يقمفيهم رجل رشيد.. أما و قد وقف الإمام مناراو علما فلا حجة و لا معذرة. قال طه حسين في كتاب «علي و بنوه»: «كانعلي يقسم وقته بين شئون الحرب و السياسة والدين.. يقيم للناس صلاتهم، و يعظهم ويفقههم في دينهم.. و كان يعظهم جالسا علىالمنبر أو قائما.. و لم يكن يعظهم بما كانيقول لهم، و إنما كان يعظهم و يعلّمهمبسيرته فيهم، كان لهم إماما، و كان لهممعلما، و كان لهم قدوة و أسوة». (اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان).المراد بالعجماء هنا العظات و العبر، و هيصامتة من حيث المقال ناطقة بلسان الحال، والمعنى ان الإمام شرح و بيّن لهم أسرارالعبر و العظات، و ما تهدف اليه من التحذيرو التخويف لعلهم يرشدون (عزب رأي امرىءتخلف عني). لأنه تخلف عن إمام الهدى و كلمةالتقوى، و قال في خطاب آخر: قد بثثت لكمالمواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديت اليكم ما أدت الأوصياء الى من بعدهم،و أدبتكم بسوطي فلم تستقيموا، و حدوتكمبالزواجر فلم تستوسقوا- أي تجتمعوا- للّهأنتم أ تتوقعون إماما غيري يطأ بكمالطريق، و يرشدكم السبيل. (و ما شككت في الحق مذ أريته). هذا بيانللسبب الموجب للزوم طاعته و وجوب متابعته،و علم الإمام بالحلال و الحرام يستحيل أنيتطرق اليه الشك لأنه صورة طبق الأصل عمافي علم اللّه تعالى، و من هنا قال الإمام:لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا.