المعنى:
(و انما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبهالحق). قد يكون الباطل واضحا لا لبس فيه مثلالقول: الفوضى خير من النظام، و الفقر نعمةو سعادة.. و قد يلتبس الباطل بالحق لشبهبينهما في جهة من الجهات مثل قول من قال:الانسان مسيّر لا مخيّر، لأن اللّه يعلممنذ البداية بسلوكه و جميع تصرفاته، ويستحيل أن يتخلف علمه تعالى عن المعلوم وعليه يكون الانسان مسيّرا لا مخيّرا. فالقول بأن الانسان مسيّر في أفعاله قولباطل، و إلا فكيف يحاسب على شيء لا بد منوجوده، و القول: ان اللّه بكل شيء عليم هوحق، و أن علمه لا يتخلف عن المعلوم أيضاحق.. و وجه التشابك و الترابط بين فعلالانسان و علم اللّه واضح و من هنا تسربتالشبهة«1».. و في قول الإمام عليه السلام:انما سميت الشبهة إلخ، دلالة على أن كلمةالشبهة لا تطلق إلا على الباطل. (فأما أولياء اللّه فضياؤهم فيها اليقين).ضمير «فيها» للشبهة، و المراد باليقين هناالعلم السليم، و كثيرا ما يستعمل الإمامعليه السلام كلمة اليقين في العلم، من ذلكقوله في وصف المتقين: «و إيمانا في يقين»أي في علم، و المعنى ان الذين يستضيئونبنور العلم حقا- في أمن و أمان من لبسالشبهات و الأباطيل، و هم المرجع فيازاحتها و إبطالها، ثم أشار الى مصدرعلمهم بقوله: (و دليلهم سمت الهدى)، والمراد بالسمت الطريق و الهدى الوحي، قالتعالى: «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىللمتقين- 2 البقرة» أي ان الدليل الذييعتمدونه لمعرفة الحق و إزاحة الشبهات هوكتاب اللّه و سنّة نبيه. (فأما أعداء اللّه فدعاؤهم فيها الضلال).لا شيء عند الأدعياء في إيمانهمبالشبهات إلا الجهالة و الضلالة (و دليلهمالعمى) أي التقليد و الرأي الخاطئ و القياسالباطل، و الاستحسان بالأوهام.(1) اجبنا عن هذه الشبهة في كتاب فلسفةالتوحيد و الولاية بما يتلخص ان علمهتعالى بفعل العبد كاشف عن وجود الفعلالصادر بارادة العبد نفسه، و ليس علةلوجود الفعل بما هو، و بصرف النظر عناختيار العبد له، و الفرق بينهما واضحتماما كالفرق بين قولك: علمت بأن زيداسيسافر غدا، و قولك: لما علمت الآن بأنهسيسافر سافر.