«فانَّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تسير الىالنار»(1). فدلالة هذا الحديث على استيعاب جميعأنواع البدع بالذم والضلال، لا تحتاج منّاإلى مزيد بيان، ولا تقبل الجدل والانكار. الدليل الرابع: إنَّ المورد الوحيد الذيتناولته النصوص الشرعية المتقدمة علىاختلاف مضامينها، وتنوع مداليلها، هوالمورد المذموم، الذي يُعد (البدعة) خصوصالأمر الحادث الذي يقابل الكتاب، والسنة،والتشريع الالهي المقطوع، وبهذا فقد تعرضهذا المورد إلى الذم والانتقاد الشديد،ولو كان هناك نحو من أنحاء الاستثناء فيموارد معينة مفترضة، وحتى لو كانت تلكالموارد المستثناة موارد جزئية ومحدودة،لما كان بوسع الشريعة المقدسة أنتتجاهلها، وتغض النظر عنها بشكل منالاشكال، في الوقت الذي نترقب حصول مثلهذا الاستثناء من قبل الشريعة، فيما لووُجد أمر من هذا القبيل، باعتبار انَّلسان بيان التشريع يتحدث من موقع استيفاءجميع شؤون الاحكام والتعاليم. فمفهوم (الكذب) مثلاً، وردت في شأنه نصوصصريحة وقاطعة، تناولته بالذم الشديد، حتىأصبح الايمان بقبحه من مسلمات الاعتقاد،وضروريات الدين، إلا انَّ الشريعة لمتتجاهل في نفس الوقت بعض الموارد التييرتفع فيها موضوع الذم، ولا تسير في نفسالاتجاه الأصلي المذكور، وانما نرى انَّهناك نصوصاً شرعية مماثلة في الصراحة،وقوة الدلالة على استثناء بعض أنواع الكذبمن أصل التحريم، إذ قد يخرج من دائرةالتحريم إلى دائرة الوجوب، فيما لو توقفعليه حفظ نفس مؤمنة من القتل والهلاكمثلاً. ومفهوم (الغيبة) كذلك، يخضع لنفس التعاملالذي صدر من الشريعة بشأن الكذب، فهومذموم ممقوت في نظر الشريعة، ويُعدّ منكبائر الذنوب، إلا انَّ هناك موارد ذكرتهاالنصوص الاسلامية تحت عنوان (جوازالاغتياب)، يتم الانتقال بموجبها من (1) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 1، ح:1113، ص: 221.