الحكم الاولي بالتحريم، إلى أحكام اُخرىكالجواز مثلاً، فيما لو كان المغتابمتجاهراً بالفسق، ومعلناً له. وهكذا الأمر في الكثير من المفاهيمالاسلامية المذمومة الاخرى، حيث يردالاستثناء صريحاً فيها، فتتحول بواسطةهذا الاستثناء من الحكم الاوّليالمحرَّم، إلى أحكامٍ ثانوية أخرى،كالاباحة، أو الندب، أو الوجوب، أوالكراهة، بحسب مقدار دائرة وحدود ذلكالاستثناء، ونوع القيود التي وضعتهاالشريعة له. وما دمنا نتفق على أنه لا يوجد أيّ لون منألوان الاستثناء الشرعي الصريح في خصوصالادلة التي تناولت بأجمعها ذم الابتداعوانتقاده الشديد، وما دام لا يمكن لأي أحدأن يّدعي ذلك، وحتى اُولئك الذين يقولونبالتقسيم، إذ انَّهم لا يبنونه على النصالشرعي الصريح وانما على التنظير العقليالمحض، أو على استفادات بعيدة المنال منبعض النصوص الشرعية... فما دمنا نتفق علىذلك، فلا بد أن نتفق أيضاً على انّ مفهوم(البدعة) لا يمتلك إلا قسماً واحداًمذموماً، وإلا لو وجد له قسم آخر، لأعربتعنه الشريعة، ولما تجاهلته وأهملته، كماهو الشأن في جميع المفردات التشريعيةالاخرى. وربما يُعترض على ما قررناه من بيان بانَّ(البدعة) قد وردت مقيَّدة ب(الضلالة)، وهذايعني وجود قسم آخر لها لا يتصف بالضلالة،فقد ورد في الحديث: «انَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّمقال لبلال بن الحارث: اعلم! قال: ما أعلم يارسول اللّه؟، قال صلّى الله عليه وآلهوسلّم: اعلم يا بلال! قال: وما أعلم يا رسولاللّه؟، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:أنه مَن أحيى سنة من سنتي قد اُميتت بعدي،فانَّ له من الأجر مثل مَن عمل بها، من غيران ينقص من أجورهم شيئاً، ومَن ابتدعَبدعة ضلالة، لا تُرضي اللّه ورسوله، كانعليه مثل آثام مَن عمل بها، لا ينقص ذلك منأوزار الناس شيئاً»(1). فقيد (الضلالة) كما يدّعي هؤلاء المقسمونفي قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ومَنابتدعَ بدعة (1) الدارمي، سنن الدارمي، ج: 5، كتابالعلم، باب: 16، ح: 2677، ص: 44.