ضلالة»، يفيد في مفهومه انَّ هناكَ لوناًمن البدع لا يتصف بالضلالة، وإلا فما هيفائدة ذكر القيد في الحديث؟ والجواب على ذلك انّا لو سلّمنا صحة هذاالحديث، فانَّ منطوق قوله صلّى الله عليهوآله وسلّم: «كل بدعة ضلالة» الدال علىالاستيعاب والعموم بالأداة (كل) يعارضالمفهوم المستفاد من «بدعة ضلالة» ويتقدمعليه، هذا أولاً. وثانياً: انَّ مثل هذا المفهوم غير ثابتعند أهل التحقيق والنظر من علماءالفريقين، ولو سلمنا ثبوته فانه لا ينفعنافي المقام شيئاً، لانَّ الادلة الصريحةوالمستفيضة قد دلَّت بصراحة وبالاطلاقعلى لزوم الضلالة ل(البدعة) من دون انفكاك،فيكون القيد في هذا الحديث، من قبيل القيدفي قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاتَأكُلُوا الرّبا أَضعافاًمُّضاعَفَةً)(1). كما قد يُعترض على ما تقرر من انَّ(البدعة) في الاصطلاح الشرعي لم تستعمل إلامذمومة، ولم تطلق إلا على خصوص الحادثالمذموم، بورود الاستثناء المستفاد منقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحديثالشريف: «عمل قليل في سُنّة، خير من عمل كثير فيبدعة»(2). فيدل الحديث كما يُدَّعى على المفاضلةبين قليل السنة وكثير (البدعة)، وهذا يعنيانَّ لكثير البدعة نحواً من القبولوالصحة، وإلا لما وقعت هذه المفاضلةالمذكورة. وفي الحقيقة انَّ مَن أدنى اطلاع علىطبيعة الخطابات الشرعية، ومَن يمتلك ولومقداراً يسيراً من التعامل والتماس معالنصوص الاسلامية، يدرك بأنَّ المقصود منالحديث هنا مجاراة الخصم ومسايرته، أي لوكان في البدعة خير، فقليل السنة خير منكثير البدعة، لا سيما إذا ضممنا إلى ذلكتلك النصوص الشرعية المصرِّحة بذمالبدعة، (1) آل عمران: 130. (2) كنز العمال، ج: 1، ح: 1096، ص: 219.