أصداف البحار من فلز اللُّجينوالعِقيان(1) ونُثارة الدر وحصيد المرجانما أَثَّر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ماعنده، ولكان عنده من ذخائر الانعام ما لاتنفدُهُ مطالب الانام(2)، لأنّه الجوادالذي لا يغيضه سؤال السائلين، ولا يبخلهإلحاح الملحين(3)، فانظر أيها السائل فمادلَّك القرآن عليه من صفته فأتمّ به(4)،واستضئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطانُعِلمَه مما ليس في الكتاب عليك فرضهُ ولافي سنة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّموأئمة الهدى أثره فَكِل علمه إلى اللّهسبحانه، فانَّ ذلك منتهى حقِّ اللّهِعليك، واعلم أنَّ الراسخين في العلم همالذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبةدون الغيوب، الاقرار بجملة ما جهلواتفسيره من الغيب المحجوب(5)، فمدح اللّهاعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا بهعلماً، وسمى تركهم التعمقَ فيما لم يكلفهمالبحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك،ولا تقدر عظمة اللّه سبحانه على قدرعقلِكَ فَتكون من الهالكين، هو القادرالذي إذا ارتمت الاوهام لتدرك منقطعقدرته(6) وحاول الفكر المبرَّأ من خطراتِالوساوِس أن يقع عليه في عميقات غيوبملكوتِه(7) وتولّهت القلوب إليه(8) لتجرى فيكيفية صفاته(9)، وغمضت مداخلُ العقول فيحيث لا تبلغه الصفاتُ لتناول علم (1) الفلز: بكسر الفاء واللام الجوهرالنفيس، واللجين: الفضة الخالصة،والعقيان: ذهب ينمو في معدنه، ونثارة الدر:بالضم منثوره، وفعالة: بالضم فاش للجيدالمختار كالخلاصة، وللساقط المتروككالقلامة، وحصيد المرجان: محصوده، يشيرإلى انَّ المرجان نبات، وقد حققته كاشفاتالفنون جديدها وقديمها. (2) أنفده: بمعنى أفناه، ونفد: كفرح أي فني. (3) يغيض: بفتح حرف المضارعة من غاضالمتعدي: يقال غاض الماء لازماً وغاضهاللّه متعدياً، ويقال أغاضه أيضاًوكلاهما بمعنى أنقصه واذهب ما عنده.ويبخله: بالتخفيف من أبخلت فلاناً وجدتهبخيلاً، أمّا بخَّله: بالتشديد فمعناهرماه بالبخل. (4) ائتم به: أي اتبعه فصفه كما وصفه اقتداءبه. (5) السدد: جمع سدة باب الدار، والاقرارفاعل أغناهم. (6) ارتمت الاوهام: ذهبت أمام الافكاركالطليعة لها. ومنقطع الشيء: ما إليهينتهي. (7) المبرَّأ الخ أما الملابس لهذه الخطراتفمعلوم أنه لا يصل إلى شيء لوقوفه عندوساوسه. (8) تولّهت القلوب إليه: اشتد عشقها وميلهالمعرفة كنهه. (9) لتجرى الخ لتجول ببصائرها في تحقيق كيفقامت صفاته بذاته أو كيف اتصف سبحانه بها.