عاقبهُ، ولو فوض اختيار امره إلى عبادهلأجاز لقريشٍ اختيار أميةَ بن أبي الصلتوأبي مسعودٍ الثقفي، إذ كانا عندهم أفضلمن محمدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم. فلما أدَّب اللّه المؤمنين بقوله: (وَماكانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إذا قَضىاللّهُ وَرَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَلَهُمُ الخِيرةُ مِن أمرِهِم)(1)، فلم يُجزلهم الاختيار بأهوائهم، ولم يقبل منهم إلااتِّباع أمره واجتناب نهيه على يدي مناصطفاهُ، فمن أطاعهُ رشد، ومن عصاه ضلَّوغوى، ولزمته الحجةُ بما ملَّكه منالاستطاعه لاتباع أمره، واجتناب نهيه،فمن أجل ذلك حرمهُ ثوابه وأنزل به عقابهُ. وهذا القول بين القولين ليس بجبرٍ ولاتفويضٍ، وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلواتاللّه عليه عباية بن ربعيّ الأسدي حينسأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعدويفعل، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام: سألت عن الاستطاعة تملكها من دوناللّه أو مع الله؟ فسكت عباية، فقال لهأمير المؤمنين عليه السلام: قل يا عباية،قال وما أقول؟ قال عليه السلام: إن قلت: انكتملكها مع اللّه قتلتك وإن قلت: تملكها دوناللّه قتلتك، قال عباية: فما أقول يا أميرالمؤمنين؟ قال عليه السلام: تقول إنَّكتملكها بالله الذي يملكها من دونك، فانيملِّكها إياك كان ذلك من عطائه، وانيسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لماملكك والقادر على ما عليه أقدرك، أما سمعتالناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لاحول ولا قوَّة إلا باللّه، قال عباية: وماتأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال عليهالسلام: لا حول عن معاصي اللّه إلا بعصمةاللّه، ولا قوَّة لنا على طاعة اللّه إلابعون اللّه، قال: فوثب عباية فقبل يديهورجليه. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام حينأتاه نجدة يسأله عن معرفة اللّه، قال ياأمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال عليهالسلام: بالتمييز الَّذي خولني والعقلالذي دلني، قال: أفمجبول أنت عليه؟ قال: لوكنت مجبولاً ما كنت محموداً على إحسانٍولا مذموماً على (1) الاحزاب، 36.