ومن خلال هذهِ الحادثة ندرك أنَّ رسولاللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذيكان يتحرّى ويبادر إلى السؤال والاستفسارعن مختلف الظواهر التي قد تمسّ تعاليمالشريعة الاسلامية، وتتجاوز حدودها،وعندما يرى صلّى الله عليه وآله وسلّمأنَّ هذا الشخص قد أحدثَ أمراً لا وجود لهفي الشريعة، بل وارتكب ما ورد النهيبشأنه، معتقداً انَّ ذلك يقرّبه إلى اللّهتعالى، ويصب في طريق طاعته وعبادته، وجَّهصلّى الله عليه وآله وسلّم المسلمين إلىعدم مشروعية هذا العمل، وعدم صحة الصيامفي السفر.
6 - عن معاوية السلمي قال:
«صليت مع النبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم، فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمكَاللّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت:واثكل أُمياه! ما شأنكم تنظرون اليَّ؟!قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم،فعرفت أنهم يصمتوني، لكنّي سكت!فلما قضى النبي الصلاة - بأبي هو وامي، ماشتمني، ولا كرهني، ولا ضربني - فقال: إنَّهذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناسهذا! إنّما هي التسبيح، والتكبير، وقراءةالقرآن»(1).
ولعلَّ هذه الحادثة تكشف لنا بوضوح كاملعن طبيعة التفكير الساذج الذي كان يحملهبعض المسلمين آنذاك، والطريقة السطحيةوالعفوية التي يتعاملون بها مَعَ الامورالتشريعية التوقيفية، التي لا يصح فيهاالزيادة ولا النقصان، وخصوصاً مثل الصلاةالتي تمثل عمود الدين وأساسه.
فنرى من خلال الحديث المذكور انَّ هذاالشخص الذي جاءَ يصلي خلف رسول اللّه صلّىالله عليه وآله وسلّم قد بدأ بالحديثوالحوار مَعَ بقية المصلّين، من غير أنيكثرث بما أوجبه اللّه تعالى في هذهِالعبادة التوقيفية من تعاليم وحدود، لا بدمن الالتزام بها ومراعاتها، والتي
(1) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: 5،ح: 23253، ص: 448.