ومضت طائفة أُخرى غير هذه الطائفة إلى غزنة وأعمالها وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان، ففعلوا فيها مثل ما فعل هؤلاء وأشد. وهذا ما لم يطرق الأسماع مثله. فإنّ الإسكندر الّذي اتفق المؤرخون على أنّه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، إنّما ملكها في نحو عشر سنين ولم يقتل أحداً. وإنّما رضي من الناس بالطاعة، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه، وأكثره عمارة وأهلا، وأعدل أهل الأرض أخلاقاً وسيرة في نحو سنة، ولم يبق في البلاد الّتي لم يطرقوها إلاّ وهو خائف يتوقعهم ويترقب وصولهم إليه» (1) .
ثم إنّ ابن الأثير تتبّع مسير التتار وهجماتهم الوحشية، فذكر الحوادث المفجعة سنة بعد سنة، إلى أن وصول إلى حوادث (628 هـ) وبعدها بقليل .
و أظنّ أنّ فيما ذكره على وجه الإجمال غنى وكفاية، ولا يحتاج إلى سرد التفاصيل الّتي جاءت بعد هذا الإجمال، ولكنّه لم يدرك الهزيمة النكراء الّتي أصابت المسلمين عند سقوط بغداد، ولكن المؤرخين الذين جاءوا بعده ذكروا سقوط العاصمة في أيدي أولئك الوحوش الضواري، وقد ارتكبوا جرائم لا تغسل عن ساحة الذاكرة الإنسانية بماء المحيط، فضلا عن البحر والنهر، ولاجل إيقاف القارىء على مدى الخسائر الفادحة الروحية والجسدية الواردة على المسلمين، نذكر من تلك الهجمات العديدة هجومهم على بغداد، فإنّه يوقفنا على حقيقة ما جرى في غيرها، معتمدين في ذلك على ما سطره ابن كثير في تاريخه.