يسألونه ليدعو لهم في حياته، وأمّا بعد موته فلم يسأل الصحابة منه ذلك، لا عند قبره ولا عند غيره كما يفعله كثير من الناس عند قبور الصحالين(1) . وقد علق السيد محمد رشيد رضا مؤلف المنار على هذا الموضوع بقوله: «يزعم بعض الناس في زماننا أنّه لا فرق في طلب الدعاء والشفاعة منه بين هذه الحياة و الممات، لأنّه حي في قبره وكأنهم يدعون أنهم أعلم من الصحابة وسائر أئمة السلف بذلك، فالصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ فرقوا بين الحالين، وإن شئت قلت بين الحياتين، والأُمور التعبّدية لا تشرع بالعقل ولا بالقياس(2). يلاحظ عليه: أنّ المعروف أنّ السنّة عبارة عن قول المعصوم وفعله وتقريره، فالحجة عبارة عن أحد هذه الأمور، ونحن نفترض أن الصحابة بأجمعهم من المعصومين. فإنّ أقصى ما يمكن أن يحتج به هو أنّ فعل الصحابة دليل على جواز الفعل، وأمّا أنّ تركهم دليل على حرمته، وعدم جوازه، فمن عجائب الأُمور وغرائبها، ولم يعهد هذا الاستدلال من أهل الفتوى والدليل. وأمّا عدول الصحابة عن التوسل بدعاء النبي في حال مماته، إلى التوسل ببعض أهل بيته فقد ذكرنا وجهه، وهو: أنّ التوسل بالإنسان الصالح الحي لأجل إظهار أن ذلك الفرد يتّحد مع المتوسلين في المصير، وأنه لولا نزول الرحمة لعمَّهُ الهلاك والدمار مثلهم، وبما أنه صالح لنزول الرحمة عليه، فلتنزل رحمتك عليه يا رب فإنه أهل لذلك، وإن كنا غير مستحقين لها . ومن المعلوم أنّ ترسيم هذا، الّذي هو أحد الأسباب لاستنزال الرحمة، إنما يتحقق بالصالح الحي دون غيره، لأنّ غير الحي ليس متحداً في المصير مع الأحياء، ولأجل ذلك نرى الصحابة يتوسلون بالحي دون غيره، وما هذا إلاّ
1 . مجموعة الرسائل والمسائل، ج 1 ص 14 . 2 . المصدر نفسه .