لأجل ذلك. وقد أشار إلى ذلك «السبكي» وقال: ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبي أو بالقبر، ولعل توسل عمر بالعباس لأمرين: أحدهما: ليدعو كما حكينا من دعائه . الثاني: إنَّه من جملة من يستسقي وينتفع بالسقيا وهو محتاج إليه، بخلاف النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ في هذه الحالة فإنه مستغن عنها، فاجتمع في العباس الحاجة وقربه من النبي وشيبه، واللّه يستحيي من ذي الشيبة المسلم، فكيف من عم نبيه، ويجيب دعاء المضطر فلذلك استسقى عمر بشيبته(1) . هذا ويصرح الذكر الحكيم بأنه ما نفع إيمان قوم بعد إشراف العذاب عليهم، إلاّ قوم يونس، قال سبحانه: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمَانُها اِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ في الحَيَاةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِين)(2) . ذكر المفسرون: إنّ قوم يونس لما عاينوا العذاب، أشار إليهم العالم الموجود فيهم بقوله: افزعوا إلى اللّه فلعلّه يرحمكم ويرد العذاب عنكم، فاخرجوا إلى المفازة وفرّقوا بين النساء والأولاد وبين سائر الحيوان وأولادها، ثم ابكوا وادعوا. ففعلوا فصرف عنهم العذاب(3) . ولم يكن هذا العمل إلاّ لأجل استنزال الرحمة على النحو الّذي عرفت . نعم، ما ذكره في آخر كلامه من أنه أمر عبادىّ يحتاج إلى الدليل فهو كلام متقن، ولكنّه ليس معناه أن يكون الدليل المطلوب دليلا بالخصوص، بل لو كان هناك عام أو إطلاق حول التوسل بدعاء النبي فيؤخذ بإطلاقه، سواء أكان النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ في دار التكليف أم في البرزخ، وإليك البيان:
1 . شفاء السقام: ص 143 ـ 144 . 2. سورة يونس: الآية 98 . 3 . مجمع البيان: ج 3 ص 135 .