بحوث فی الملل والنحل جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
إلاّ وتسمع من الجماعة المتسمين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يصرخون في وجهك «يا حاج! هذا شرك» وهم لم يحددوا للعبادة حداً منطقياً حتّى يميزوا في ضوئه العبادة عن التعظيم، فعادوا يسمّون كل تعظيم شركاً، ولو كان تعظيم وخضوع عبادة، للزم كفر المملوك والزوجة، والولد والخادم، والأجير، والرعية، والجنود، بإطاعتهم وخضوعهم للمولى والزوج والأب والمخدوم والمستأجر والملك والأمراء، وجميع الخلق لإطاعتهم بعضهم بعضاً، بل كفر الأنبياء لإطاعتهم آباءهم وخضوعهم لهم، وقد أوجب اللّه طاعة أوامر الأبوين، وخفض جناح الذل لهما، وقال لرسوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِيِنَ)(1)، وأمر بتعزير(2) النبي وتوقيره، وأمر بإِطاعة الزوجة لزوجها، وأوجب إطاعة العبيد لمواليهم وسمّاهم عبيداً(3) .وقد عرفناك على أنّ العنصر المقوم لكون التعظيم عبادة، هو الاعتقاد بألوهية المعظَّم له، أو ربوبيته، أو كونه مالكاً لمصير المعظّم، وأنّ بيده عاجله وآجله، ومنافعه و مضارّه، ولا اقل مغفرته وشفاعته، وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر، وقام بالاحتفال بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه من أجل استقلال أُمته وإخراجها عن نير الاستعباد، وهيّأ لهم أسباب الاستقلال، فلا يعد ذلك عبادة له، وإن كان هناك احتفال أو احتفالات، وأُلقي فيها عشرات القصائد والخطب فلا صلة لهذابالعبادة. نعم يدور أمر كل ذلك بين الحلال والحرام، وهل الشارع رخص ذلك أو لم يرخص، وسيوافيك أنّ باذر هذه الشكوك ابن تمية، يرى أن الأصل في العادات عدم الخطر، إلا ما حظره اللّه(4). نعم، الاحتفال بمولد النبي ليس من العادات، ولا يقام بما أنه أمر عادي بل بما هو أمر قربي له أصل في الكتاب والسنة كما مرّ وسيأتي أيضاً .