بحوث فی الملل والنحل جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
سنة 1143(1) ولم يكن راضياً عن ابنه، وطالما زجره ونهاه، ولمّا توفّي الوالد تجرّأ عليه أهل «حريملة» وهمّموا بقتله، فلم يجد بداً من الهرب إلى «العيينة» وهي مسقط راسه ودار نشأته، وقد تعاهد هو وأميرها «عثمان بن معمر» على أن يشد كلُّ أزر الآخر، فيترك الأمير للشيخ الحرية في إظهار الدعوة والعمل على نشرها، لقاء أن يقوم محمد بن عبد الوهاب بدوره بشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها، وكانت يومذاك موزعة إلى ست أو سبع إمارات منها إمارة العيينة(2) ولكن لكي تقوى الروابط بين الاثنين زوّج الأمير أُخته «جوهرة» من الشيخ، فقال له الشيخ: «إنى لآمل أن يهبك اللّه نجداً وعربانها»(3) .هكذا بدأ التآلف بين الشيخ والأمير، واحدة بواحدة... مساومة ثم أخذ وعطاء، والثمن هو الدين والشعب، أمّا زواج الشيخ من «جوهرة» فتثبيت للتحالف، وضمان للوفاء... لقد سخر محمد بن عبد الوهاب الدين لأجل الدنيا، وتطوع لتعزيز حكمه دون أن يكون على يقين من عدله، أو يأخذ منه موثقاً لتحسين الأوضاع وراحة الناس، والعمل للصالح العام، بل على العكس، فقد وعده بملك نجد وعربانها... ولكن لا بالاقتراح وحرية تقرير المصير، بل بالحرب والغزو وبأشلاء الضحايا(4) .أبعد ذلك يصحّ أن يعدّ الشيخ من المصلحين المجددين، وممّن له رسالة إنسانية كما عدّه نفر منهم أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ومهما كان فإنّ التحالف بين الشيخ والأمير لم يطل عمره ولم يتم أمره، وما تمخّص إلاّ عن زواج الشيخ بجوهرة، وهدم قبر زيد بن الخطاب، وإثارة الفتن والقلاقل فقط ـ لم يطل عمر التحالف بين ابن عبد الوهاب والأمير ابن معمر ـ لأنّ سليمان الحميدي صاحب الأحساء والقطيف أمر عثمان بن معمر ـ وكان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ .