بحوث فی الملل والنحل جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
والصفات والسنة، والردود على أهل النظر، يشكر اللّه سبحانه على النور الّذي افاضه على عقله، حتّى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
وقد استمرّت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط اللّه تعالى، ولاستسخاف العقلاء، من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق، حرّاني تجرّد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء، متظاهراً بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب، بدون أُستاذ يرشده في مواطن الزلل، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تحريف السخفاء إلاّ إذا كان العقل عقل صابئي والنقل نقل صبي، وكم انخدع بخزعبلاته أُناس ليسوا من التأهّل للجمع بين الرواية والدارية في شيء، وله مع خلطائه هؤلاء، موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه.
ومن درس حياته يجدها كلها فتناً لا يثيرها حافظ بعقله، غير مصاب في دينه، وأنّى يوجد نصّ صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها للّه سبحانه؟ .
وكل ما في الرجل أنّه كان له لسان طلق، وقلم سيال، وحافطة جيدة، قلّب ـ بنفسه بدون أُستاذ رشيد ـ صفحات كتب كثيرة جداً من كتب النحل الّتي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق، فاغترّبما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس، حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية، ففاه في القبيلين بما لم يفه به أحد من العالمين، مما هو وصمة عار وأمارة مروق في نظر الناظرين، فانفضّ من حوله أُناس كانوا تعجّلوا في إطرائه ـ بادىء بدء ـ قبل تجريبه، وتخلّوا عنه واحداً إثر واحد على تعاب فتنة المدونة في كتب التاريخ،ولم يبقَ(1) معه إلاّ أهل مذهبه في الحشو من جهلة المقلدة، ومن ظن أن علماء