فلمّا قال رسول اللّه تلك المقالة، قال «أسيد بن حضير» وكان أوسياً: يا رسول اللّه! إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك، فواللّه إنّهم لأهل أن تضرب أعناقهم، فقال سعد بن عبادة ـ وكان خزرجياً ـ : كذبت لعمر اللّه لا تضرب أعناقهم، أما واللّه ما قلت هذه المقالة إلاّ أنّك قد عرفت أنّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد: ولكنّك منافق تجادل عن المنافقين. و عندئذ تساور الناس حتّى كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شرّ. وفي لفظ البخاري: فصار الحيّان الأوس والخزرج حتّى همُّوا أن يَقْتَتِلوا ورسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ قائم على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت(1) .
هذه نماذج من مواقف النبي الأعظم حيال الخلافات الّتي كانت تنشب أحياناً بين أُمّته وهو ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ كان يصنع من الخلاف وئاماً ومن النزاع وفاقاً، ويدفع الشر بقيادته الحكيمة، وما هذا إلاّ لأنّ صرح الإسلام قائم على كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة .
وهذا صنو النبي الأكرم ووصيه وخليفته ـ إذ حرم من حقّه المشروع، وبدلت الخلافة التنصيصية إلى تداول الخلافة بين تيم وعدي، ثم إلى أُمّية ـ قد
1 . السيرة النبوية ج 3 ص 312 ـ 313، و صحيح البخاري ج 5 ص 119 باب غزوة بني المصطلق .