وعندما تسنّم سدّة الخلافة ورجع الحق إلى مداره، قام خطيباً فقال: «والزَمُوا السّوادَ الأعظَمَ، فإنَّ يدَ اللّهِ مَعَ الجماعَةِ و إيّاكُمْ و الفُرْقَةَ فإنّ الشّاذَّ مِنَ الناسِ للشيطانِ كَمّا أنّ الشّاذّ مِنَ الغَنَمِ للذِّئْبِ. ألا مَنْ دَعَا إلى هذا الشّعارِ فَاقْتُلُوهُ وَ لَوْ كَانَ تحتَ عِمَامَتي هَذَهَ»(2) .
هذه هي سيرة النبي الاكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وسيرة وصيّه وتلميذه، وهما تعربان عن أنّ حفظ الوحدة من أهمّ الواجبات وأوجب الفرائض، ولكن يا للأسف لم تراع الأُمّة نصح النبي الأكرم عبر القرون والأجيال، وهذه مأساة سقيفة بني ساعدة المسرحية وما تمخّض عنها. واقرأها بدقة وإمعان ترَ أنّ الجانبين المهاجرين والأنصار تشبّثوا بدعاوي منتنة تشبه دعوى الجاهلية، فمندوب الأنصار يجرّ النار إلى قرصه بحجة أنّهم نصروا النبي الأكرم و آووه، كما أنّ المتكلم عن جانب المهاجرين (و لم يكن في السقيفة منهم آنذاك إلاّ خمسة أشخاص) يراهم أحقّ بتداول الخلافة بحجة أنّهم عشيرة النبي الأكرم، وفي الوقت نفسه لم نجد في كلامهما ما يشير إلى ما يخدم صالح الإسلام والمسلمين، وأنّ المصالح الكبرى تكمن ضمانتها في تنصيب من توفّرت فيه شرائط وسمات وملامح القيادة الربّانية دون سائر أفراد الأُمّة .