عجيب جداً أن يكون عمل محدد ومشخّص إذا طلب من الحي، نفس التوحيد، وإذ طلب من الميت يكون عين الشرك. إنّ القرآن ينقل عن بعض شيعة موسى ويقول: (فاسْتَغَاثَهُ الّذي مِنْ شِيَعتِه عَلَى الّذي من عَدوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوْسى فَقَضى عَلَيْهِ)(1)فنفس هذه الاستغاثة في حال الحياة، يتصور على وجهين، يحكم على أحدهما أنه موافق لأصول التوحيد، وعلى الآخر بخلافها!! إنّ هذه الاستغاثة إنما تكون على وفق التوحيد إذا اعتقد أنّ موسى في حال حياته يقوم بالاغاثة بقدرة مكتسبة وإذن منه سبحانه، ولو اعتقد بأصالته في إغاثة المستغيث فقد اعتقد بألوهيته، فإذا كان هذا هو المعيار في الاستغاثة من الحي، فليكن هذا هو المعيار عند الاستمداد بالأرواح المقدسة العالمة الشاعرة حسب أخبار القرآن (أو الأموات) على زعم الوهابيين . فلو فرضنا أنّ أحداً من شيعة موسى استغاث به بعد خروج روحه الشريف عن بدنه على نحو الاستغاثة الأُولى، فهل يتصوّر أنّه أشرك باللّه؟ وأنّه عبد موسى لاعتقاده أنّه يغيث المستغيث حياً وميتاً؟ . ولو كانت حياة المستغاث ومماته معياراً، فإنّما يصحّ أن يكون معياراً في الجدوائية وخلافها، لا في الشرك و التوحيد. وبذلك تقف على ضعف كلام تلميذ ابن تيمية حيث يقول: «و من أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإنّ الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً»(2) . يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من الدليلين لا يثبت مدّعاه، لأنّ قوله: «فإنّ الميت قد انقطع عمله» على فرض صحته، يثبت عدم الفائدة في
1 . سورة القصص: الآية 15 . 2 . فتح المجيد، تأليف حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ص 67 الطبعة السادسة .