(وحرمنا عليه المراضع) أي: منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية
وشهواتها وقبول أهوائها وإعدادها (من قبل) أي: قبل استعمال الفكر بنور الاستعداد
وصفاء الفطرة (فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم) بالقيام بتربيته بالأخلاق
والآداب ويرضعونه بلبان المبادئ من المشاهدات والوجدانيات والتجريبات، وما طريقة
الحس والحدس من العلوم (وهم له ناصحون) يشدونه بالحكم العملية والأعمال
الصالحة، ويهذبونه ولا يغوونه بالوهميات والمغالطات، ويفسدونه بالرذائل والقبائح.(فرددناه إلى أمه) النفس اللوامة بالميل نحوها والإقبال (كي تقر عينها) بالتنور
بنوره (ولا تحزن) بفوات قرة عينها وبهائها وتقويتها به (ولتعلم) بحصول اليقين بنوره
(إن وعد الله) بإيصال كل مستعد إلى كماله المودع فيه وإعادة كل حقيقة إلى أصلها
(حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك فلا يطلبون الكمال المودع فيهم لوجود
الحجاب وطريان الشك والارتياب.(ولما بلغ أشده) أي: مقام الفتوة وكمال الفطرة (واستوى) استقام بحصول
كماله ثم بتجرده عن النفس وصفاته (آتيناه حكما وعلما) أي: حكمة نظرية وعملية
(وكذلك نجزي المحسنين) المتصفين بالفضائل، السائرين في طريق العدالة.
تفسير سورة القصص من آية 15 - 19
(ودخل) مدينة البدن (على حين غفلة من أهلها) أي: في حال هدو القوىالنفسانية وسكونها حذرا من استيلائها عليه وعلوها (فوجد فيها رجلين يقتتلان) أي:
العقل والهوى (هذا) أي: العقل (من شيعته وهذا) أي: الهوى (من عدوه) من
جملة أتباع شيطان الوهم وفرعون النفس الأمارة (فاستغاثه) العقل واستنصره على
الهوى (فوكزه) ضربه بهيئة من هيئات الحكمة العملية بقوة من التأييدات الملكية بيد
العاقلة العملية فقتله (قال هذا) الاستيلاء والاقتتال (من عمل الشيطان) الباعث للهوى
على التعدي والعدوان (إنه عدو مضل مبين) أو هذا القتل من عمل الشيطان، لأن
علاج الاستيلاء بالإفراط لا يكون بالفضيلة التي هي العدالة الفائضة من الرحمن بل إنما