تفسير سورة الزخرف من آية 81
إلى الآية 89
(قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) أي: لذلك الولد، وهو إما أن يدلعلى نفي الولد عن الله بالبرهان وإما أن يدل على نفي الشرك عن الرسول بالمفهوم، أما
دلالته على الأول فلما دل قوله: (سبحان رب السماوات) إلى قوله: (عما يصفون)
على نفي التالي وهو عبادة الولد أي: أوحده وأنزهه تعالى عما يصفونه من كونه مماثلا
لشيء لكونه ربا خالقا للأجسام كلها فلا يكون من جنسها، فيفيد انتفاء الولد على الطريق
البرهاني. وأما دلالته على الثاني: فإذا جعل قوله: (سبحان رب السماوات) إلى آخره،
من كلام الله تعالى لا من كلام الرسول، أي: نزه رب السماوات عما يصفونه فيكون نفيا
للمقدم ويكون تعليق عبادة الرسول من باب التعليق بالمحال والمعلق بالشرط عند عدمه
فحوى بدلالة المفهوم أبلغ عند علماء البيان من دلالة المنطوق، كما قال في استبعاد
الرؤية: (فإن استقر مكانه فسوف تراني) [الأعراف، الآية: 143] والله تعالى أعلم.
سورة حم الدخان
تفسير سورة الدخان من آية 1 - 12
بسم الله الرحمن الرحيم(إنا أنزلناه في ليلة مباركة) الليلة المباركة هي بنية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونها حادثةمظلمة ساترة لنور شمس الروح، ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة من الهداية
والعدالة في العالم بسببها وازدياد رتبته وكماله بها. كما سماها ليلة القدر لأن قدره عليه
السلام معرفته بنفسه وكماله إنما يظهر بها، ألا ترى أن معراجه إنما كان بجسده؟، إذ لو
لم يكن جسده لم يكن ترقيه في المراتب إلى التوحيد وإنزال الكتب فيها إشارة إلى أنزال
العقل القرآني الجامع للحقائق كلها، والفرقاني المفصل لمراتب الوجود، المبين
لتفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها، المميز لمعاني الأسماء وأحكام الأفعال فيها وهو
معنى قوله فيها: (فيها يفرق كل أمر حكيم) أو إلى إنزال الروح المحمدي الذي هو
الكتاب المبين حقيقة في صورتها أو القرآن (إنا كنا منذرين) لأهل العالم بوجوده.(أمرا من عندنا) خص المر الحكمي بكونه من عنده لأن كل أمر يبتني على
حكمة وصواب كما ينبغي من الشرائع والأحكام الفقهية إنما يكون من عنده مخصوصا به
مطلقا لما في نفس الأمر وإلا كان أمرا مبنيا على الهوى والتشهي (إنا كنا مرسلين رحمة من ربك) تامة كاملة على العالمين بإنزاله لاستقامة أمورهم الدينية والدنيوية
وصلاح معاشهم ومعادهم وظهور الخير والكمال والبركة والرشاد فيهم بسببه أو مرسلين
إياك لرحمة كاملة شاملة عليهم (إنه هو السميع) لأقوالهم المختلفة في الأمور الدينية
الصادرة عن أهوائهم (العليم) بعقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وأمورهم المخيلة
ومعايشهم الغير المنتظمة، فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر
الدين، الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا. المرشد إلى الصواب فيهما بتوضيح الصراط
المستقيم وتحقيق التوحيد بالبرهان وتقنين الشرائع وسنن الأحكام لضبط النظام.