(إنهم كانوا لا يرجون حسابا) أي: ذلك العذاب لأنهم كانوا موصوفين بهذه
الرذائل من عدم توقع المكافآت والتكذيب بالآيات والصفات أي: لفساد العمل والعلم
فلم يعملوا صالحا رجاء الجزاء ولم يعلموا علما فيصدقوا بالآيات.(وكل شيء) من صور أعمالهم وهيئات عقائدهم ضبطناه ضبطا بالكتابة عليهم
في صحائف نفوسهم وصحائف النفوس السماوية.(فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) أي: بسببها ذوقوا عذابا يوازيها لا مزيد عليه
فإنها بعينها معذبة لكم دون ما عداها. والمعنى: فذوقوا عذابها فإننا لن نزيدكم عليها
شيئا إلا التعذيب بها الذي ذهلتم عنه.
تفسير سورة النبأ من آية 31 - 36
(إن للمتقين) المقابلين للطاغين المتعدين في أفعالهم حد العدالة مما عينه الشرعوالعقل وهم المتزكون عن الرذائل وهيئات السوء من الأفعال (مفازا) فوزا ونجاة من
النار التي هي مآب الطاغين (حدائق) من جنان الأخلاق (وأعنابا) من ثمرات الأفعال
وهيئاتها (وكواعب) من صور آثار الأسماء في جنة الأفعال (أترابا) متساوية في الرتب
(وكأسا) من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لأن أهل جنة الآثار
والأفعال لا مطمح لهم إلى ما وراءها فهم محجوبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن
المعطي (عطاء حسابا) كافيا يكفيهم بحسب هممهم ومطامح أبصارهم لأنهم لقصور
استعداداتهم لا يشتاقون إلى ما وراء ذلك فلا شيء ألد لهم بحسب أذواقهم مما هم فيه.
تفسير سورة النبأ من آية 37 - 40
(رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن) أي: ربهم المعطي إياهم ذلكالعطاء هو الرحمن لأن عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة، فمشربهم
من اسم الرحمن دون غيره (لا يملكون منه خطابا) لأنهم لم يصلوا إلى مقام الصفات
فلا حظ لهم من المكالمة.(يوم يقوم الروح) الإنساني وملائكة القوى في مراتبهم صافين أي: مرتبة كل في
مقامه كقوله: (وما منا إلا له مقام معلوم) [الصافات، الآية: 164] (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) يسر له بأن هيأ له استعداد المكالمة في الأزل ووفقه لإخراج ذلك
الاستعداد إلى الفعل بالتزكية (وقال صوابا) قولا حقا لا باطلا.(إنا أنذرناكم عذابا) هو عذاب الهيئات الفاسقة من الأعمال الفاسدة دون ما هو
أبعد منه من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت أيديهم، والله تعالى أعلم.