ألا ترى إلى قوله تعالى: '' إني جعلت معصية آدم سببا
لعمارة العالم ''، فوجب في الحكمة الحقة التفاوت في الاستعداد بالقوة والضعف
والصفاء والكدورة والحكم بوجود السعداء والأشقياء في القضاء ليتجلى بجميع الصفات
في جميع المراتب، وهذا معنى قوله: (ولكن حق القول مني) أي: في القضاء السابق
(لأملأن جهنم) الطبيعة (من الجنة) أي: النفوس الأرضية الخفية عن البصر (والناس
أجمعين) (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) لاحتجابكم بالغشاوات الطبيعة
والملابس البدنية (إنا نسيناكم) بالخذلان عن الرحمة لعدم قبولكم إياها وإدباركم
(وذوقوا عذاب الخلد) بسبب أعمالكم، فعلى هذا التأويل المذكور تكون الخلد مجازا
وعبارة عن الزمان الطويل، أو يكون الخطاب بذوقوا لمن حق عليهم القول في القضاء
السابق من الجنة والناس.(إنما يؤمن) على التحقيق بآيات صفاتنا (الذين إذا ذكروا بها خروا) لسرعة
قبولهم لها بصفاء فطرتهم (سجدا) فانين فيها (وسبحوا بحمد ربهم) أي: جردوا
ذواتهم متصفين بصفات ربهم فذاك هو تسبيحهم وحمدهم له بالحقيقة (وهم لا
يستكبرون) بظهور صفات النفس والأنائية.
تفسير سورة السجدة من آية 16 - 30
(تتجافى جنوبهم) بالتجرد عن الغواشي الطبيعية والقيام (عن المضاجع) البدنيةوالخروج عن الجهات بمحو الهيئات (يدعون ربهم) بالتوجه إلى التوحيد في مقام
القلب خوفا من الاحتجاب بصفات النفس بالتلوين (وطمعا) في لقاء الذات (ومما
رزقناهم) من المعارف والحقائق (ينفقون) على أهل الاستعداد (فلا تعلم نفس)