تفسير سورة الشورى من آية 24
إلى الآية 50
(فإن يشأ الله يختم على قلبك) أي: لا يفتري على الله إلا من هو مختوم القلبمثلهم (ويمح الله الباطل) كلام مبتدأ، أي: ومن عادة الله أن يمحو الباطل (ويحق الحق بكلماته) وقضائه إن كان افتراء يمحه ويثبت نقيضه وإن كان الافتراء ما يقولون
فكذلك (وما عند الله خير وأبقى) لكونه أشرف وأدوم (للذين آمنوا) الإيمان اليقيني
ولا يتوكلون إلا على ربهم بفناء الأفعال أي الذين علمهم اليقين وعملهم التوكل
بالانسلاخ عن أفعالهم.(والذين يجتنبون كبائر الإثم) التي هي وجوداتهم وهو أخس صفات نفوسهم
التي تظهر بأفعالها في مقام المحو (وإذا ما غضبوا) في تلويناتهم (هم يغفرون) أي:
الأخصاء بالمغفرة دون غيرهم (والذين استجابوا لربهم) بلسان الفطرة الصافية إذا
دعاهم إلى التوحيد بتجلي نور الوحدة (وأقاموا) صلاة المشاهدة ولم يحتجبوا بآرائهم
وعقولهم بل (أمرهم شورى بينهم) لعلمهم أن لله مع كل أحد شأنا وإليه نظرا وفيه سرا
ليس لغيره ذلك الشأن والنظر والسر (ومما رزقناهم ينفقون) بالتكميل (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) بالعدالة احترازا عن الذلة والانظلام لكونهم في مقام
الاستقامة، قائمين بالحق والعدل الذي ظله في نفوسهم.
تفسير سورة الشورى من آية 51 - 53
(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) أي: إلا بثلاثة أوجه، إما بوصوله إلىمقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده في مقام البقاء فيوحي إليه بلا واسطة كما قال
الله تعالى: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى)
[النجم، الآية: 8 - 10].
(أو من وراء حجاب) بكونه في حجاب القلب ومقام
تجليات الصفات فيكلمه على سبيل المناجاة والمكالمة والمكاشفة والمحادثة دون الرؤية
لاحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى عليه السلام (أو يرسل رسولا) من
الملائكة فيوحي إليه على سبيل الإلقاء والنفث في الروع والإلهام أو الهتاف أو المنام
كما قال عليه السلام: '''' إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل
رزقها ''''، (إنه علي) من أن يواجه ويخاطب، بل يفنى ويتلاشى من يواجهه لعلوه من أن
يبقى معه غيره ويحتمل شيء حضوره (حكيم) يدبر بالحكمة وجوده التكليم ليظهر علمه
في تفاصيل المظاهر ويكمل به عباده ويهتدوا إليه ويعرفوه.ومثل ذلك الإيحاء على الطرق الثلاثة: (أوحينا إليك روحا) تحيا به القلوب
الميتة (من) عالم (أمرنا) المنزه عن الزمان المقدس عن المكان (ما كنت تدري ما الكتاب) أي العقل الفرقاني الذي هو كمالك الخاص بك (ولا الإيمان) أي: الخفي
الذي حصل لك عند البقاء بعد الفناء حال كونك محجوبا بغواشي نشأتك وحال
وصولك لفنائك وتلاشي وجودك (ولكن جعلناه نورا) عند استقامتك (نهدي به من نشاء من عبادنا) المخصوصين بالعناية الأزلية، إما المحبوبين وإما المحبين
(وانك)
أيها الحبيب (لتهدي) بنا من تشاء (إلى صراط مستقيم) لا يبلغ كنهه ولا يدري
وصفه.(صراط الله) المخصوص به، أي: طريق التوحيدي الذاتي الشامل للتوحيد
الصفاتي والأفعالي المسمى توحيد الملك، أعني سير الذات الأحدية مع جميع الصفات
الظاهرة والباطنة بمالكية سماوات الأرواح وأرض الجسم المطلق (ألا إلى الله تصير الأمور) بالفناء فيه، فينادي بذاته (لمن الملك اليوم) [غافر، الآية: 16] ويجيب هو
نفسه بقوله: (لله الواحد القهار) [غافر، الآية: 16]، والله تعالى أعلم.