(إذا تمنى) ظهرت نفسه بالتمني في مقام التلوين (ألقى الشيطان في) وعاء
(أمنيته) ما يناسبها لأن ظهور النفس يحدث ظلمة وسوادا في القلب يحتجب بها
الشيطان ويتخذها محل وسوسته وقالب إلقائه بالتناسب (فينسخ الله ما يلقي الشيطان)
بإشراق نور الروح على القلب بالتأييد القدسي وإزالة ظلمة ظهور النفس وقمعها ليظهر
فساد ما يلقيه ويتميز منه الإلقاء الملكي فيضمحل ويستقر الملكي (ثم يحكم الله آياته)
بالتمكين (والله عليم) يعلم الإلقاءات الشيطانية وطريق نسخها من بين وحيه (حكيم)
يحكم آياته بحكمته، ومن مقتضيات حكمته أنه يجعل الإلقاء الشيطاني فتنة للشاكين
المنافقين المحجوبين القاسية قلوبهم عن قبول الحق وابتلاءهم لازدياد شكهم وحجابهم
به، فإنهم بمناسبة نفوسهم الظلمانية وقلوبهم المسودة القاسية لا يقبلون إلا ما يلقي
الشيطان، كما قال تعالى:
(هل أنبئكم على من تنزل الشياطين 221 تنزل على كل أفاك أثيم 222) [الشعراء، الآية: 221 - 222].
وإنهم لفي خلاف بعيد عن الحق فكيف يقبلونه.
تفسير سورة الحج من آية 54 - 60
(وليعلم الذين أوتوا العلم) من أهل اليقين والمحققين: أن تمكن الشيطان منالإلقاء هو الحكمة والحق من ربك على قضية العدل والمناسبة (فيؤمنوا به) بأن يروا
الكل من الله فتطمئن (له قلوبهم) بنور السكينة والاستقامة الموجبة لتمييز الإلقاء الشيطاني
من الرحماني (وأن الله) لهاديهم إلى طريق الحق والاستقامة فلا تزل أقدامهم بقبول ما
يلقي الشيطان، ولا تقبل قلوبهم إلا ما يلقي الرحمن لصفائها وشدة نوريتها وضيائها.(ولا يزال) المحجوبون (في شك منه حتى) تقوم عليهم القيامة الصغرى (أو يأتيهم عذاب) وقت هائل لا يعلم كنهه ولا يمكن وصفه من الشدة أو وقت لا مثل له
في الشدة أو لا خير فيه.