إن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بنعلي الملقّب بذي النفس الزكية قد رشّحباتّفاق الهاشميين للخلافة، وكان المنصوريسير بخدمته ويسوّي عليه ثيابه ويمسك لهدابته تقرّباً إليه، وقد بايعه مع أخيهالسفّاح مرّتين. وبعد اختلاس العبّاسيينللحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمدفأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب لهالناس وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم، وقدانتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعيةالمسلمين إلى بيعة محمد هذا.
ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد اللهوسائر السادة الذين كانوا معه الى محمد;أعلن محمّد ثورته في المدينة وبايعه الناسوحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته،وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكةإلى بيعته وقام خطيباً فيهم فقال:
اما بعد: أيها الناس فإنه كان من أمر هذاالطاغية عدوّ الله أبي جعفر مالم يخفعليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناهامعانداً لله في ملكه تصغيراً للكعبةالحرام، وإنما اُخذ فرعون حين قال: أناربكم الأعلى، وإن أحق الناس بالقيام بهذاالدين أبناء المهاجرين والأنصارالمواسين.
اللّهم إنهم قد أحلّوا حرامك وحرّمواحلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت،اللّهم فاحصهم عدداً، واقتلهم بدداً ولاتغادر منهم أحداً(1).
و لمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشاًيقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بنموسى، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقينـ خارج المدينة ـ رغبة من محمد وحفاظاً علىسكّانها من عبث جيش المنصور واُصيب
(1) تاريخ الاُمم والملوك: 6 / 188 ـ 189.