ثمّ أنّه عليه السلام بعد الدعوة إلىالتوحيد أخذ في محاربة المفاسدالاجتماعية و الأخلاقية و الاقتصاديةالسائدة فيهم، و في البدء منعهم من ممارسةالتطفيف، و الغش في المعاملة، يقول:فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ «1»و واضح أن تسرّب أيّ نوع من أنواع الخيانةو الغش في المعاملات يزعزع بل و يهدم أسسالطمأنينة و الثقة العامّة التي هي أهمدعامة لاقتصاد الشعوب و تلحق بالمجتمعخسائر غير قابلة للجبران. و لهذا السبب كانأحد الموضوعات الهامّة التي ركز عليهاشعيب هو هذا الموضوع بالذات.ثمّ يشير إلى عمل آخر من الأعمال الأثيمة،و هو الإفساد في الأرض بعد أن أصلحتأوضاعها بجهود الأنبياء، و في ضوء الإيمانفقال: وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِبَعْدَ إِصْلاحِها.و من المسلّم أنّه لا يستفيد أحد من إيجادالفساد و من الإفساد، سواء كان فساداأخلاقيا، أو من قبيل فقدان الإيمان، أوعدم وجود الأمن، لهذا أضاف في آخر الآيةقائلا: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.و كأنّ إضافة عبارة: «إن كنتم مؤمنين»إشارة إلى أنّ هذه التعاليم الاجتماعية والأخلاقية إنما تكون متجذرة و مثمرة إذاكانت نابعة من الإيمان و مستمدة من نوره.أمّا لو كانت قائمة على أساس سلسلة منملاحظة المصالح المادية، لم يكن لها بقاءو دوام.و في الآية اللاحقة يشير إلى رابع نصيحةلشعيب، و هي منعهم عن الجلوس على الطرقات وتهديد الناس، و صدّهم عن سبيل اللّه، وتضليل الناس بإلقاء (1) البخس يعني نقص حقوق الأشخاص، والنّزول عن الحد بصورة توجب الظلم و الحيف.