3- ما هو المراد من تجلّي اللّه؟
لقد وقع كلام كثير بين المفسّرين في هذاالصعيد، و لكن ما يبدو للنظر من مجموعالآيات أنّ اللّه أظهر إشعاعة من أحدمخلوقاته على الجبل (و تجلّي آثاره بمنزلةتجليه نفسه) و لكن ماذا كان ذلك المخلوق؟هل كان إحدى الآيات الإلهية العظيمة التيبقيت مجهولة لنا إلى الآن، أو أنّه نموذجمن قوة الذرّة العظيمة، أو الأمواجالغامضة العظيمة التأثير و الدفع، أوالصاعقة العظيمة الموحشة التي ضربت الجبلو أوجدت برقا خاطفا للأبصار و صوتا مهيبارهيبا و قوّة عظيمة جدا، بحيث حطّمت الجبلو دكّته دكّا «1»؟! و كأنّ اللّه تعالى أرادأن يرى- بهذا العمل- شيئين لموسى عليهالسلام و بني إسرائيل:
الأوّل: أنّهم غير قادرين على رؤية ظاهرةجد صغيرة من الظواهر الكونية العظيمة، ومع ذلك كيف يطلبون رؤية اللّه الخالق.
الثاني: كما أن هذه الآية الإلهية العظيمةمع أنّها مخلوق من المخلوقات لا أكثر،ليست قابله للرؤية بذاتها، بل المرئي هوآثارها، أي الرجة العظيمة، و المسموع هوصوتها المهيب. أمّا أصل هذه الأشياء أي تلكالأمواج الغامضة أو القوة العظيمة فلا هيترى بالعين، و لا هي قابلة للإدراك بواسطةالحواس الأخرى، و مع ذلك هل يستطيع أحد أنيشك في وجود مثل هذه الآية، و يقول:
حيث أنّنا لا نرى ذاتها، بل ندرك فقطآثارها فلا يمكن أن نؤمن بها.
فإذا يصح الحكم هذا حول مخلوق منالمخلوقات، فكيف يصح أن يقال عن اللّهتعالى: بما أنّه غير قابل للرؤية، إذن لايمكننا الإيمان به، مع أنّه ملأت
(1) الصاعقة عبارة عن التبادل الكهربائيبين قطع الغيوم و الكرة الأرضية، فالسحبذات الكهربية الموجبة عند ما تقترب إلىالأرض ذات الكهربية السلبية تندلع شرارةمن بينهما يعني السطح المجاور من الكرةالأرضية، و هي خطرة مدمرة في الغالب، و لكنالبرق و الرعد ينشآن من التبادل الكهربائيبين قطعتين من السحاب أحدهما موجب، والآخر سلبي، و حيث أنّهما يحدثان فيالسماء لذلك لا يشكلان خطرا في العادةإلّا للطائرات. و السفن الفضائية.