التّفسير
التهم و الأباطيل
في الآية الأولى من الآيات- محل البحث-يردّ اللّه سبحانه على كلام المشركين الذيلا أساس له بزعمهم أنّ النّبي صلّى اللهعليه وآله وسلّم قد جنّ، فيقول سبحانه: أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْمِنْ جِنَّةٍ «1».و هذا التعبير يشير إلى أن النّبي صلّىالله عليه وآله وسلّم لم يكن شخصا مجهولابينهم، و تعبيرهم بـ «الصاحب» يعني المحبو المسامر و الصديق و ما إلى ذلك. و كانالنّبي معهم أكثر من أربعين عاما يرونذهابه و إيابه و تفكيره و تدبيره دائما وآثار النبوغ كانت بادية عليه، فمثل هذاالإنسان الذي كان يعدّ من أبرز الوجوه والعقلاء قبل الدعوة إلى اللّه، كيف تلصقبه مثل هذه التهمة بهذه السرعة؟! أمّا كانالأفضل أن يتفكروا- بدلا من إلصاق التهمبه- أن يكون صادقا في دعواه و هو مرسل منقبل اللّه سبحانه؟! كما عقب القرآن الكريمو بيّن ذلك بعد قوله أو لم يتفكروا؟فقال: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ...و في الآية التّالية- استكمالا للموضوعآنف الذكر- دعاهم القرآن إلى النظر في عالمالملكوت، عالم السموات و الأرض، إذ تقولالآية: أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِيمَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ.ليعلموا أنّ هذا العالم الواسع، عالمالخلق، عالم السموات و الأرض، بنظامهالدقيق المحيّر المذهل لم يخلق عبثا، وإنّما هناك هدف وراء خلقه. و دعوة النّبيصلّى الله عليه وآله وسلّم في الحقيقة، هيمن أجل ذلك الهدف، و هو تكامل الإنسان وتربيته و ارتقاؤه.و «الملكوت» في الأصل مأخوذ من «الملك» ويعني الحكومة و المالكية،(1) «الجنّة» كما يذهب إليه أصحاب اللغةمعناها الجنون، و معناها في الأصل: الحائلو المانع فكأنما يلقى على العقل حائل عندالجنون.