على أنّ هذه الحادثة مثل بقية الظواهرالاجتماعية لم تكن لتحدث من دون مقدمة وأرضيّة، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنينمديدة في مصر و شاهدوا كيف يعبد المصريونالأبقار أو العجول. و من جانب آخر عند ماعبروا النيل شاهدوا في الضفة الأخرى مشهدامن الوثنية، حيث وجدوا قوما يعبدون البقر،و كما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا منموسى عليه السلام صنما كتلك الأصنام، ولكن موسى عليه السلام وبّخهم و ردّهم، و لامهم بشدّة.و ثالث، تمديد مدّة ميقات موسى عليهالسلام من ثلاثين إلى أربعين، الذي تسببفي أن تشيع في بني إسرائيل شائعة وفاة موسىعليه السلام بواسطة بعض المنافقين، كماجاء في بعض التفاسير.و الأمر الرابع، جهل كثير من بني إسرائيلبمهارة السامريّ في تنفيذ خطته المشئومة،كل هذه الأمور ساعدت على أن تقبل أكثريةبني إسرائيل في مدّة قصيرة على الوثنية، ويلتفوا حول العجل الذي أوجده لهم السامريّللعبادة.و في الآية الحاضرة يقول القرآن الكريمأوّلا: إنّ قوم موسى عليه السلام بعد ذهابهإلى ميقات ربّه صنعوا من حليّهم عجلا، وكان مجرّد تمثال لا روح فيه، و لكنّه كانله صوت كصوت البقر، و اختاروه معبودا لهم:وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِمِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُخُوارٌ و مع أنّ هذا العمل (أي صنع العجل منالحليّ) صدر من السامريّ (كما تشهد بذلكآيات سورة طه) إلّا أنّه مع ذلك نسب هذاالعمل إلى بني إسرائيل لأنّ كثيرا منهمساعد السامريّ في هذا العمل و عاضده، وبذلك كانوا شركاء في جريمته، في حين رضيبفعله جماعة أكبر منهم.و ظاهر هذه الآية و إن كان يفيد- في بدءالنظر- أنّ جميع قوم موسى شاركوا في هذاالعمل، إلّا أنّه بالتوجه إلى الآية (159) منهذه السورة، التي تقول: وَ مِنْ قَوْمِمُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ يستفاد أنّ المراد منالآية المبحوثة