غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَماخَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي «1».إنّ هذه الآية تفيد بوضوح أن موسى عندرجوعه إلى قومه من الميقات و قبل أن يلتقيببني إسرائيل كان غضبان أسفا، و هذا لأجلأن اللّه تعالى كان قد أخبر موسى عليهالسلام بأنّه اختبر قومه من بعده و قدأضلّهم السامريّ قالَ فَإِنَّا قَدْفَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ «2».ثمّ إنّ موسى عليه السلام قال لهم: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ.للمفسّرين كلام كثير في تفسير هذهالجملة، و قد ذكروا احتمالات عديدةمختلفة، إلّا أن ظاهر الآيات يفيد أنالمراد هو أنّكم تعجلتم في الحكم بالنسبةإلى أمر اللّه تعالى في قضية تمديد مدّةالميقات من ثلاثين إلى أربعين، فاعتبرتمعدم مجيئي في المدة المقررة- أوّلا- دليلاعلى موتي، في حين كان يتعين عليكم أنتتريثوا و تنتظروا قليلا ريثما تمرّ أيّامثمّ تتّضح الحقيقة.و في هذا الوقت بالذات، أي عند ما واجهموسى عليه السلام هذه الأزمة الخطيرة منحياة بني إسرائيل، و كان الغضب الشديد يسربل كل كيانه، و يثقل روحه حزن عميق، و قلقشديد على مستقبل بني إسرائيل، لأنّالتخريب و الإفساد أمر سهل، و ربّمااستطاع شخص واحد تخريب كيان عظيم و لكنالإصلاح و التعمير أمر صعب و عسير جدّا.خاصّة أنّه إذا سرت في شعب جاهل متعنت نغمةمخالفة شاذة، وافقت هوى و رغبة، فإنّمحوها لا شك لن يكون أمرا ممكنا و سهلا.فهنا لا بدّ أن يظهر موسى عليه السلامغضبه الشديد و يقوم بالحدّ الأعلى من ردّالفعل و السخط، كي يوقظ الأفكار المخدّرةلدى بني إسرائيل، و يوجد انقلابا في (1) «الأسف» كما يقول الراغب في «المفردات»بمعنى الحزن المقرون بالغضب، و هذه الكلمةقد تستعمل في أحد المعنيين أيضا. و تعني فيالأصل أن ينزعج الإنسان من شيء بشدة، ومن الطبيعي أن هذا الانزعاج إذا كان بسببمن هو دونه ظهر مقرونا بالغضب، و بردة فعلغاضبة، و إذا كان ممن هو فوقه ممن لايستطيع مقاومته ظهر من صورة الحزنالمجرّد، و قد نقل عن ابن عباس أيضا أنللحزن و الغضب أصل واحد و إن اختلفا لفظا.(2) سورة طه، 85.