أصل اللغة تعني نشر الشيء و تفريقه، و قدوردت بهذا المعنى «الثّاني» في القرآنأيضا، كما في عبارة تَذْرُوهُ الرِّياحُ«1».و لأنّ خلق الكائنات يستلزم تفريقها وتوزيعها و انتشارها على وجه الأرض، فقدجاءت هذه الكلمة بمعنى خلق «المخلوق»أيضا:و على كل حال، فإنّ الإشكال المهم في هذاالتعبير هو كيف قال اللّه سبحانه وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراًمِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ؟ في حين قالفي مكان آخر وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «2» وطبقا لمعنى هذه الآية فإنّ الجن و الإنس لميخلقوا لغير عبادة اللّه و الرقي والتكامل و السعادة، أضف إلى ذلك أنّ هذاالتعبير تشمّ منه رائحة الجبر في الخلق، ومن هنا فقد استدل بعض مؤيدي مدرسة الجبر منأمثال الفخر الرازي بهذه الآية لإثباتمذهبه.لكنّنا لو ضممنا آيات القرآن بعضها إلىبعض و بحثناها موضوعيّا دون أن نبتلىبالسطحيّة، لوجدنا الجواب على هذا السؤالكامنا في الآية محل البحث ذاتها، كما هوبيّن في آيات أخرى من القرآن الكريم أيضا... بحيث لا يدع مجالا لأنّ تستغل الآيةليسا فهمها لدى بعض الأفراد. مثل هذاالتعبير كمثل قول النجار إذ يقول مثلا: إنّقسما كبيرا من هذا الخشب و قد هيأته لكيأصنع منه أبوابا جميلة، و القسم الآخر هوللإحراق و الإضرام ... فالخشب الرائقالجيّد المناسب سأستعمله للقسم الأوّل، وأمّا الخشب الرديء غير المناسب فسأدعهللقسم الثّاني.ففي الحقيقة أنّ للنجار هدفين: هدفا«أصيلا» و هدفا (تبعيّا).فالهدف الأصيل هو صنع الأبواب و الأطرالخشبيّة الجيّدة و ما إلى ذلك، و هو يبذلقصارى جهده و سعيه في هذا المضمار ... (1) الكهف، 45.(2) سورة الذاريات: 56.