يصرّ كثير من المفسّرين على تفسير مثل هذهالآيات بالنّزول المكاني أي من فوق إلىتحت، مثلا يقولون: إنّ ماء المطر ينزل منالسماء إلى الأرض فتروى منه النباتات والحيوانات، من هنا تكون مواد اللباس قدنزلت- بهذا المعنى- من السماء إلى الأرض.و في مجال الحديد أيضا يقولون: إنّالأحجار و الصخور السماوية العظيمة التيتحتوي على عناصر الحديد قد انجذبت إلىالأرض.و لكن النّزول ربّما استعمل بمعنىالنّزول المقامي، و قد استعملت هذه اللفظةفي المحاورات اليومية بهذا الشكل كثيرا،فيقال مثلا: أصدر الحاكم أمره إلى أمرائه ومعاونيه، أو يقال: رفعت شكواي إلى القاضي،لهذا لا داعي إلى الإصرار على تفسير هذهالآيات بالنّزول المكاني.فحيث أنّ النعم الإلهية قد صدرت من المقامالرّبوبي الرفيع إلى البشر، لهذا عبّر عنهذا المفهوم بهذا اللفظ، و هو تعبير يدركهالإنسان بدون إشكال أو صعوبة.و يشبه هذا الموضوع ما نلاحظه في ألفاظالإشارة القريبة و البعيدة أيضا، فقد يكونشيء ما ذا بال أو موضوع مهمّ في متناولأيدينا، و لكنّه- لما كان من حيث الشأن-يتمتّع بمقام مهمّ رفيع، فإنّنا نشير إليهباسم الإشارة البعيد، فنقول في محاوراتنامثلا: تلك الشّخصية، و نحن نقصد رجلا حاضراقريبا، و قد جاء في القرآن الكريم: ذلِكَالْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ. و المقصود منالكتاب المشار إليه بالإشارة البعيدةالقرآن الحاضر، و لكن تعظيما له أستعيض فيالإشارة إليه عن أداة الإشارة القريبةبأداة الإشارة البعيدة.