مسائل حسن الطالع و الحظ و عدمهما، و ماشابه ذلك، فيرجعون كل الحوادث الحسنة أوالمرّة إلى هذه الأمور. و كل ذلك بسببالخوف من الأسباب الحقيقة لتلك الأمور.و القرآن الكريم في الآيات المتقدمة يضعأصبع التحقيق على الأصل و المنبع، و يبيّنأنواع العلاج و أسباب النصر و الهزيمةفيقول: لأجل معرفة الأسباب الأصيلة لايلزم البحث عنها في السماوات و لا فيالأرضين، و لا وراء الأوهام و الخيال، بلينبغي البحث عنها في وجودكم و فكركم وأرواحكم و أخلاقكم، و في نظمكم والاجتماعية، فإنّ كل ذلك كامن فيها.فالشعوب التي فكّرت مليّا و حركت عقولها ووحدّت جموعها و تآخت فيما بينها، و كانتقوية العزم و الإرادة، و قامت بالتضحية والفداء عند لزوم ذلك، هذه الشعوب منتصرةحتما.أمّا إذا حلّ الضعف و التخاذل و الركودمكان العمل و السعي الحثيث، و حلّ التراجعمكان الجرأة و النفاق و التفرقة مكانالاتحاد، و حبّ النفس مكان الفداء، و حلالتظاهر و الرياء محل الإخلاص و الإيمان،فيبدأ عند ذلك السقوط و البلاء.و في الحقيقة أنّ جملة: ذلِكَ بِأَنَّاللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةًأَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّىيُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ تبيّنأسمى قانون في حياة الإنسانية، و توضح أنّمدرسة القرآن الكريم هي أكرم مدرسة فكريةلحياة المجتمعات الإنسانية، و أوضحها حتىلأولئك الذين نسوا في عصر الفضاء و الذرّةقيمة الإنسان، و جعلوا حركة التأريخمرتبطة بالمصانع و المعامل و قضاياالإقتصاد.فهي تقول لهؤلاء: إنّكم في خطأ كبير إذاأخذتم بالمعلول و تركتم العلة الأصلية أونسيتموها، و تمسكتم بغصن واحد من شجرةكبيرة و تركتم أصولها.و لئلا نمضي بعيدا، فإنّ تأريخ الإسلام،أو تأريخ حياة المسلمين- بتعبير أصح- قدشهد انتصارات باهرة في بداياته، وانكسارات و هزائم مرّة صعبة