الحرب.و يعدّ هذا الأمر عملا حسنا في بعضالمواقع، إلّا أنّه عمل خطير قبل أن يطمأنمن اندحار العدو كاملا، لأنّ الانشغالبأسر العدو و شدّ وثاقهم و نقلهم إلى مكانآمن، كل ذلك يبعد المقاتلين غالبا عن أصلالهدف الذي من أجله كانت الحرب، و ربّمايمنح العدو الجريح فرصة لجمع قواه و إعادةهجومه، كما حدث في غزوة أحد، حيث شغل بعضالمسلمين أنفسهم بجمع الغنائم، فاستغلالعدوّ هذه الفرصة فأنزل ضربته الأخيرةبالمسلمين.و بناء على ذلك فإنّ تأسير الأعداء يجوزفي صورة ما لو حصل اليقين بالنصر الساحقعليه، أمّا في غير هذه الصورة فيجب توجيهالضربات الشديدة و المتتالية لهدم قواتالعدو و شلّها فإذا حصل الاطمئنان بذلكفإنّ الأهداف الإنسانية توجب إيقاف القتلو الاكتفاء بأسرهم.و قد أوضحت الآية هاتين النقطتينالمهمتين: العسكرية، و الإنسانية، فيعبارة موجزة:ثمّ ألقت باللوم على أولئك الذين خالفواهذا الأمر فتقول: تُرِيدُونَ عَرَضَالدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُالْآخِرَةَ.«و العرض» يعني الأمور غير الثابتة، و لماكانت الذخائر المادية غير ثابتة في هذهالدنيا فقد عبّر عنها بالعرض.و كما قلنا آنفا فإن الاهتمام بالجانبالمادي فيما يتعلق بالأسرى و الغفلة عنالهدف النهائي، أي الإنتصار على العدو، لاأنّه يحبط الثواب الأخروي فحسب، بل يسيءإلى الإنسان في حياته الدنيا و إلى عزّته ورفعته و استقراره، ففي الحقيقة، هذهالأهداف المذكورة للفرد في الحياة الدنياتعدّ من أمور الدنيا الثابتة، فلا ينبغيأن نترك المنافع الطويلة الأمد والمستقبلية رهن الخطر من أجل أن نحصل علىمنافع مادية عابرة!