و الشاهد على هذا الكلام أنّ جملة وَ إِنْنَكَثُوا أَيْمانَهُمْ جاءت في مقابلفَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أيلا يخلو الأمر من أحد وجهين، فإمّا أنيتوبوا و يعرضوا عن الشرك و يتجهوا نحواللّه، و إمّا أن يستمرا على طريقهم و نكثأيمانهم. ففي الصورة الأولى هم إخوانكم فيالدين، و في الصورة الثّانية ينبغيمقاتلتهم.2- ممّا يسترعي الانتباه أنّ الآيات محلالبحث لا تقول: قاتلوا الكفار، بل تقول:فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ و هيإشارة إلى أن (القاعدة الجماهيرية) و عامّةالناس تبع لزعمائهم و رؤسائهم، فينبغي أنيكون الهدف القضاء على رؤسائهم و أئمتهم،لأنّهم أساس الضلال و التضليل و الظلم والفساد، فاستأصلوا شجرة الكفر من جذورها وأحرقوها. فمواجهة الكفار لا تجدي نفعا مادام أئمتهم في الوجود، أضف إلى ذلك فإنّهذا التعبير يعدّ ضربا من ضروب النظرةالبعيدة المدى و علو الهمة و تشجيعالمسلمين، إذ عدّ أئمّة الكفر في مقابلالمسلمين، فليواجهوهم فذلك أجدر منمواجهة من دونهم من الكفّار.و العجيب أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذاالتعبير يعني أبا سفيان و أمثاله من زعماءقريش، مع أنّ جماعة منهم قتلوا في معركةبدر، و أسلم الباقي منهم كأبي سفيان بعدفتح مكّة- بحسب الظاهر- و كانوا عند نزولالآية في صفوف المسلمين، فمقاتلتهم لامفهوم لها.و اليوم ما يزال هذا الدستور القرآنيالمهم باقيا على قوته «ساري المفعول»فالكي نزيل الاستعمار و الفساد و الظلم،لا بدّ من مواجهة رؤوساء و الأكابر و أئمّةالمنحرفين، و إلّا فلا جدوى من مواجهة مندونهم من الأفراد، فلاحظوا بدقة.3- إنّ التّعبير بـ فَإِخْوانُكُمْ فِيالدِّينِ الوارد في الآيات المتقدمة، منألطف التعابير التي يمكن أن يعبّر بها فيشأن المساواة بين أفراد المجتمع، و بيانأوثق العلائق العاطفية، لأنّ أجلىالعلائق العاطفية و أقربها في الناس التيتمثل