و في البداية يشير إلى الحجاب الذي أقيمبين أهل الجنّة و أهل النّار، إذ يقول: وَبَيْنَهُما حِجابٌ.و يستفاد من الآيات اللاحقة أنّ الحجابالمذكور هو «الأعراف» و هو مكان مرتفع بينالفريقين يمنع من رؤية كل فريق الفريقالآخر، و لكن وجود مثل هذا الحجاب لا يمنعمن أن يسمع كل منهما صوت الآخر و نداءه،كما مرّ في الآيات السابقة.فلطالما رأينا جيرة يتحادثون من وراءالجدار، و يستجلي أحدهما حال الآخر دون أنيراه، على أنّ الذين يقفون على الأعراف،أي على الأقسام المرتفعة من هذا المكانالمرتفع، يرون كلا الفريقين (تأملوا جيدا).و يستفاد من بعض آيات القرآن الكريم، مثلالآية (55) من سورة الصافات، أن أهل الجنّةربّما تطّلعوا من أماكنهم و شاهدوا أهلالنّار، و لكن مثل هذه المواردالاستثنائية لا تنافي ما عليه وضع الجنّةو النّار أساسا، و أنّ ما قلناه آنفا يعكسو يصور الكيفية لهذين المكانين، و إن كانلهذا القانون- أيضا- بعض الاستثناءات،فيمكن أن يشاهد بعض أهل الجنّة أهل النّارفي شرائط خاصّة.إنّ ما يجب أن نذكر به مؤكدين قبل الخوض فيبيان كيفية الأعراف هو أن التعابيرالواردة حول القيامة و الحياة الأخرى لاتستطيع- بحال- أن تكشف القناع عن جميعخصوصيات تلكم الحياة، بل للتعابير-أحيانا- صفة التشبيه و التمثيل.و أحيانا تكشف بعض تلك التعابير عن مجرّدشبح في هذا المجال، لأنّ الحياة في ذلكالعالم تكون في آفاق أعلى، و هي أوسعبمراتب كثيرة من الحياة في هذا العالم،تماما مثل سعة الحياة الدنيا هذه بالقياسإلى عالم الرحم و الجنين.و على هذا فلا عجب إذا كانت الألفاظ والمفاهيم المتداولة في هذا العالم لاتستطيع أن تعكس بصورة كاملة و معبّرة تلكالمفاهيم.