إنّ هذه الكلمة تستعمل في من يعطف على أحدأو جماعة غاية العطف، و يتحرق لهم غايةالتحرق، مضافا إلى أنّها تحكي عن نوع منالتساوي و نفي أي رغبة في التفوق والزعامة، يعني أن رسل اللّه لا يحملون فينفوسهم أية دوافع شخصية في صعيد هدايتهم،إنما يجاهدون فقط لانقاد شعوبهم و أقوامهممن ورطة الشقاء.و على كل حال، فإنّ من الواضح و البيّن أنّالتعبير بـ «أخاهم» ليس إشارة إلى الأخوةالدينية مطلقا، لأنّ هؤلاء الأقوام لمتستجب- في الأغلب- لدعوة أنبيائهاالإصلاحية.ثمّ يذكر تعالى أنّ هود شرع في دعوته فيمسألة التوحيد و مكافحة الشرك و الوثنية:قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مالَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلاتَتَّقُونَ.و لكن هذه الجماعة الأنانية المستكبرة، وبخاصّة أغنياؤها المغرورون المعجبونبأنفسهم، و الذين يعبّر عنهم القرآن بلفظة«الملأ» باعتبار أنّ ظاهرهم يملأ العيون،قالوا لهود نفس ما قاله قوم نوح لنوح عليهالسلام قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَكَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَفِي سَفاهَةٍ وَ إِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَالْكاذِبِينَ.«السفاهة» و خفة العقل كانت تعني في نظرهمأن ينهض أحد ضد تقاليد بيئته مهما كانتتلكم التقاليد خاوية باطلة، و يخاطر حتىبحياته في هذا السبيل.لقد كانت السفاهة في نظرهم و منطقهم هي أنلا يوافق المرء على تقاليد مجتمعه و سننهالبالية، بل يثور على تلك السنن والتقاليد، و يستقبل برحابة صدر كل ماتخبئه له تلك الثورة و المجابهة.و لكن هودا- و هو يتحلى بالوقار و المتانةالتي يتحلى بها الأنبياء و الهداةالصادقون الطاهرون- من دون أن ينتابه غضب،أو تعتريه حالة يأس قالَ يا قَوْمِ لَيْسَبِي سَفاهَةٌ وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْرَبِّ الْعالَمِينَ.ثمّ إنّ هودا أضاف: إنّ مهمته هي إبلاغرسالات اللّه إليهم، و إرشادهم إلى ما