أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام مع الجامع النبوي، فسأل فقهاء العصر عن جواز إجبارهم على ذلك، فأشار عليه علي بن يقطين أن يرفع استفتاءً في المسألة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فاستصوب رأيه فردّ الإمام على سؤاله وكتب له: بعد البسملة: إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس، فالناس أولى ببنائها وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها.ولما انتهى الجواب إلى المهدي أمر بهدم الدور وأضافها إلى ساحة المسجدين ففزع أصحابها إلى الإمام (عليه السلام) والتمسوا منه أن يكتب لهم رسالة إلى المهدي ليعوضهم عن ثمن دورهم، فأجابهم وكتب إلى المهدي رسالة في ذلك فلما وصلت إليه أوصلهم وأرضاهم.360ولم يكن ذلك من الاستملاك الذي يعبر عنه في الوقت الحاضر بالاستملاك للمصلحة العامة كما فهمه بعض المعاصرين بل إن هذا حكم شرعي يتبع أدلته الخاصة التي نصت على أن للجامع فناءً وإن من نزل به لا حرمة لما يقيمه فيه من بناء.وعن داود بن قبيصة: قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: سئل أبي (عليه السلام): هل منع الله ما أمر به، وهل نهى عما أراد، وهل أعان على ما لم يرد؟فقال (عليه السلام): أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه.وأما ما سألت هل نهى عما أراد؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادى صبيان الكتاتيب: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)361 والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشيء ويريد غيره.وأما ما سالت عنه من قولك: هل أعان على ما لم يرد؟ولا يجوز ذلك، وجلّ الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم وقتل الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد؟ وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته، ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أراد الله من فرعون أن يدّعي الربوبية؟ يستتاب هذا القول فإن تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه.362