لا يكفي في الإسلام أن يكون المسلم مستقيماً في حياته الفردية متجنباً الأضرار بالناس، بل المطلوب منه والخير له أن ينتقل سعيه الذاتي إلى الإصلاح بين الناس الذين يعيش معهم. ذلك أن الإصلاح بين الناس من أهداف المسلمين المؤمنين، لأن المؤمن مرآة أخيه، يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها. فعلى المؤمنين شرعاً أن يسعوا للإصلاح كيما يتفاقم الشر ويتطور النزاع، فمن عداوة بين شخصين إلى عداوة بين قبيلتين، وربما يتحوّل إلى سفك دماء، وكثيراً ما يحصل أن تقسم الأمة إلى جماعات لا همّ لهم سوى الثأر والنكاية والإضرار.والإصلاح بين الناس لا يصدر إلا من قلوب نبيلة ونفوس تحب الناس كافة وتسعى من أجلهم وتعمل لخيرهم. من هنا يأت في الخير والنفع للمجتمع، ومن هنا تتوثق الروابط الاجتماعية بين الناس وحدة متعاونة على البر والتقوى. لذلك أمر الله المؤمنين بالسعي للإصلاح بين إخوانهم. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)269.كما دعاهم عزّ وجلّ للقيام بالإصلاح بين المؤمنين في حال النزاع.قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ...)270.والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: (الخلق كلهم عيال الله، واقربهم إليه أنفعهم لعياله) فبقدر ما نفيد عيال الله، بقدر مانحسن إليهم ونصلح بينهم ونقترب من مرضاته تعالى أكثر.والإمام الكاظم (عليه السلام) حثّ أصحابه على الإصلاح بين الناس كما شجّعهم على الإحسان لمن أساء إليهم؛ وبيّن لهم عاقبة المحسنين والمصلحين وما لهم من الأجر عند الله. فقال (عليه السلام):(ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له أجر على الله فليقم، فلا يقوم إلا من عفا وأصلح).