قبل الحديث عن رسالة الإمام موسى (عليه السلام) في العقل التي تعد ثروة فكرية عظيمة، لابدّ لنا من الحديث عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) في العقل.لأهل البيت (عليهم السلام) منهج علمي خاص لا يحيدون عنه، به يفسرون الأمور الدينية، وبه يقيسون المبادئ والآراء والمعتقدات والفلسفات وهو العقل السليم.بالعقل السليم يستدل على غيره ولا يستدل بغيره عليه. ولأهل البيت كلام كثير بهذا الموضوع ذكره الكليني في أول أصول الكافي منه: (إن الله جعل العقل دليلاً على معرفته.. ومن كان عاقلاً كان له دين.. أعلم الناس بأمر الله أحسنهم عقلاً.. العقل دليل المؤمن).وجاء في نهج البلاغة لأمير المؤمنين: (أغنى الغنى العقل).معنى هذا أن العقل هو المبدأ الأول لكل حجة ودليل، واليه تنتهي طرق العلم والمعرفة بكل شيء وكل حكم.والعقل هو القوة المبدعة التي منحها الله عزّ وجلّ إلى الإنسان وميّزه به على الحيوان الأبكم، وشرّفه على بقية الموجودات، واستطاع به أن يستخدم الكائنات، ويكشف أسرارها، وبالعقل جعله خليفة في الأرض، ينظّم الحياة عليها ويعمرها.وقد انتهى الإنسان بفضل عقله إلى غزو الفضاء والكواكب، وانطلق انطلاقة رائعة إلى اكتشافات مذهلة، وسيصل في مستقبله القريب أو البعيد إلى ما هو أعمق وأشمل من ذلك.إن كل حكم سواء أكان مصدره الوحي أم الحس والتجربة دليله العقل حيث لا وزن للسمع والبصر بلا عقل، ولا سبيل إلى العلم بمصدر الوحي إلا العقل ودلالته. وبصورة أوضح نحن نأخذ بحكم الوحي والشرع بأمر من العقل. أما حكم العقل فنأخذه ونعمل به، وإن لم ينص عليه الوحي والشرع، والخلاصة أن أبعد الناس عن الدين من يظن أن الدين بعيد عن العقل. وإن ما يقصد إليه هو العقل السليم.