الذي دفعني إلى الحديث عن الإمامة هو سؤال بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب قوله: لماذا الشيعة يعظمون دور الإمامة اكثر ممّا تستحق؟ وما هو دور الإمام بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)؟قبل الجواب على هذا السؤال أرى من الغريب جداً ما يدعيه غير الشيعة من أن النبي (صلّى الله عليه وآله) رحل من هذه الدنيا ولم يوص إلى أحد من بعده ليقوم مقامه، ويتحمّل مسؤولية تنفيذ الدعوة الإسلامية، فترك الأمة بلا إمام يدير شؤونها، ويجمع شملها، ويوضح السنن، ويقوّم الاعوجاج، ويقيم الحدود، ويرشد الضالين عن الخط الإسلامي الصحيح؟!!وما هو ثابت عند المؤرخين وكتاب السنن أنه (صلّى الله عليه وآله) كان يستخلف على المدينة إذا أراد سفراً، ولا يرسل جيشاً في مهمة حتى يعيّن له قائداً، وربّما عين لبعض جيوشه أكثر من قائد.94ومن المؤسف أنه عندما يريدون تنزيه شخص أو جماعة يخلقون أفضل المبررات في نظرهم، ويعتذرون عنهم بأحسن الأعذار. من ذلك ابتدع معاوية فرقة القصاصين الذين يشيدون بمآثره، ويعيبون على عليّ وأنصاره. ثم اخترع فرقة المرجئة الذين يرجئون معايب ونقائص الخليفة إلى يوم الحساب، ويعفى من محاسبة الجماعة له إن ظلم أو أخطأ. كما نسب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وإلى الله سبحانه وتعالى ما لم ينزل به سلطان. كل ذلك من أجل تصحيح عمل قام به السلف، أو من أجل مصالح دنيوية ضيّقة، وقد نسوا أو تناسوا قول الله تعالى: (... أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)95.ولو أنصف الناس الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لاكتفوا بنص الغدير وحده دون غيره من النصوص الكثيرة، فقد شهد بيعة يوم الغدير جل المسلمين، وشاهدوا المراسيم التي اجراها الرسول (صلّى الله عليه وآله) في ذلك اليوم التاريخي ومن العجيب كيف نسيت الأمة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ذلك اليوم، هذا والعهد قريب والرسول (صلّى الله عليه وآله) بعد لم يدفن والشهود الكثر حضور. ولا أريد أن أخوض في هذا الحديث المؤلم الذي دب الاختلاف بين المسلمين وفرّقهم فرقاً وشيعاً.ولا يخفى على كل ذي بصر أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وكذلك أولاده عليهم الصلاة والسلام.96وقد التزم الأئمة (عليهم السلام) في نص بعضهم على بعض، السابق منهم على اللاحق، والوالد على ولده، إقامة للحجة، وإعذاراً للأمة. وهنا أحد النصوص الكثيرة في حق الإمام موسىالكاظم (عليه السلام) من قبل أبيه الصادق (عليه السلام):قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا يا بني موسى خيراً، فإنه أفضل ولدي، ومن أخلفه من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي).97والإمام موسى (عليه السلام) بلغ أعلى مستويات الإنسانية وقيمها في مواهبه وعبقرياته، فكان عنواناً فذاً من أفذاذ العقل الإنساني، ومثلاً رائعاً من أمثلة الخير والكمال في الأرض؛ وذلك لما أثر عنه من الفضائل والمآثر كدماثة الأخلاق، والإحسان إلى الناس، والصمود أمام الأحداث، وسعة العلم، ونبل الحلم، إلى غير ذلك من النزعات الكريمة التي يقدّسها كل إنسان يقدّر المثل العليا، ويؤمن بالانسانية الكريمة؛ وقد منحه الله تعالى الإمامة، وخصّه بالنيابة العامة عن جده الرسول الأعظم، فهو أحد أوصيائه المعصومين، وأحد خلفائه على أمته.والإمامة حسب مفهوم الشيعة، كالنبوة لا يمنحها الله إلا للذوات الخيّرة التي طهرت من الأرجاس والآثام. وهي من أسمى المناصب الإلهية لا يتوّج بها إلا أفضل الخلق وأكرمهم عند الله. وهنا لابدّ من توضيح معنى الإمامة.