قامت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) بمجهود كبير وعظيم بمواصلة أعمالها من أجل تثقيف الجيل وتطوير المجتمع الإنساني وتقدم المسلمين في ميادين النهضة الفكرية والعلمية والحضارية. وقد ربّت خلال فترة زمنية محدودة جيلاً صالحاً أدى رسالته الإصلاحية الشاملة وقام بمساع جليلة إلى الأجيال الصاعدة. وببركة هذه المدرسة ومجهود المسؤول عنها (عليه السلام) نضجت العقلية الإسلامية بواسطة معارف الإسلام وتعاليمه الخيّرة من المحيط النظري إلى التطبيق العملي في مشارق الأرض ومغاربها.ولما فجع العالم الإسلامي برحيل العالم الكبير والإمام العظيم الصادق (عليه السلام) نهض الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بعد أبيه يتسلم شؤون تلك المدرسة التي أغنت العالم الإسلامي، وأعزت العلم ورفعت مناره. واصبح بعد وفاة أبيه عميداً للشيعة في كل أمورهم، ومرشداً للنهضة الفكرية في عصره؛ وقد أقبل عليه العلماء وطلاب العلم من كل حدب وصوب ينهلون من نمير علمه، واحتفى به رجال الفكر لا يفترقون عنه، حتى بلغ الأمر بهم من شدة احتفائهم به وتقديرهم له، أنه إذا نطق بكلمة أو أفتى بموضوع بادروا إلى تدوين ذلك للحال.365وقد روى عنه هؤلاء العلماء جميع أنواع المعارف على اختلافها وتباعد أطرافها، من حكمة، وتفسير للذكر الحكيم، وفقه إسلامي بجميع أبوابه، وتوضيح أمور عالقة، وردود على أسئلة مختلفة من قريب أو بعيد، كما رووا عنه في الآداب الاجتماعية المواعظ والنصائح القيّمة، وأيضا فقد حثهم على العلم المفيد لهم ولمجتمعهم.تلك الكوكبة من العلماء والرواة التي يزيد عددها على أربعة آلاف لم يكن أفرادها على مستوى واحد من حيث الثقة والعدالة، وهذا قد يحدث في كل عصر، فكان بينهم عدد من المنافقين والمتكسبين باعوا ضمائرهم بثمن رخيص؛ فلم يتحرجوا من الوضع والكذب في الحديث على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) وعترته الميامين ليأخذوا عوض ذلك بعض الدريهمات من السلطة الحاكمة التي أفسدت عقيدة المسلمين وخدّرت عقولهم ومزقتهم شيعاً وأحزاباً (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)366. كما كان بينهم جمهرة أخرى من الضعفاء والمجهولين غير موثوق بهم تماماً.ولا ريب أن الفئة الغالبة كانوا من العدول والثقات الذين عرفوا بالصدق والأمانة واليهم يرجع الفضل في ضبط الأحكام الإسلامية ونشر فقه أهل البيت (عليهم السلام). ونظراً لوجود هذه الطوائف المختلفة من رواة الأثر فقد انقسم الحديث إلى أصناف فكان: الحديث الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف. (فبعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) نشأت الأحزاب والفرق التي اتخذت شكلاً دينياً كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام)367.(وقد حاول كل حزب دعم ما يدعم بالقرآن والسنة،ومن البديهي ألاّ يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن الكريم، فعمدوا إلى تحريف السنة الشريفة بالتحريف والزيادة، حتى وضعوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لم يقل)368.لكنهم فشلوا ولم يحققوا مبتغاهم: لأن للحديث النبوي ضوءاً كضوء النهار يعرف به369 وللحديث المكذوب ظلمة كظلمة الليل تنكره العقول المستقيمة إن معرفة سيرة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) وهديه فيما يأمر به وينهى عنه وفيما يحبه ويكرهه، ثم التعرف على جميع أحواله فيما يجوز وفيما لا يجوز، وكل ما نطق به من أقوال وقام به من أعمال. كل هذا يمنحنا النور الكاشف لأنظارنا والاطمئنان المريح لأنفسنا.وعلى أي حال فإن الكثيرين من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) قد قاموا بدور مهم في التأليف والتصنيف ونشر الحضارة الإسلامية حتى ملأوا المكتبة العربية والإسلامية في عصرهم بنتاجهم القيّم، الأمر الذي دلّ بحق على أن لهم اليد الطولى في رفع منار العلم، وتهذيب الأفكار، وتقويم الأخلاق.أما عدد أصحابه فقد ذكر أحمد بن خالد البرقي أنهم كانوا مائة وستين شخصاً.370 وهو اشتباه ظاهر إن كان مراده الحصر، ولعله أراد بهذا العدد الأعلام النابهين منهم دون أن يليهم في مراتب العلم والفقه والحديث. والحقيقة أن أغلب المنتمين لمدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) قد بقوا بعد وفاته ينهلون من علم الإمام الكاظم (عليه السلام) ويتلقون العلوم والفقه منه. وسوف نعرض طائفة من أصحابه ورواة حديثه مرتبته على حروف الهجاء:
(أ)
1ـ إبراهيم بن أبي البلادهو يحيى بن سليم وكنى بأبي البلاد، كان إبراهيم ثقة جليلاً رفيع المنزلة عظيم الشأن، روى عن أبي عبد الله والكاظم والرضا، وأرسل له الإمام الرضا (عليه السلام) رسالة أعرب فيها عن ثنائه وإكباره له.3712ـ أحمد بن الحسنهو ابن إسماعيل النمار، مولى بني أسد، كان من أصحاب الإمام الكاظم وروى عن الإمام الرضا (عليه السلام) وقال النجاشي: هو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه له كتاب نوادر.3723ـ أحمد بن عمروهو ابن أبي شعبة الحلبي روى عن الإمام الكاظم والرضا وروى أبوه عن أبي عبد الله وهو من بيت عرف بالتقوى والصدق والولاء لأهل البيت (عليهم السلام).373.4ـ إسماعيل بن عبد الخالقمولى لبني أسد، وجه من وجوه الشيعة، وفقيه من فقهائها، وقد عرف أهله بالعدالة والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)؛ روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وله كتاب.3745ـ إسحاق بن جريرثقة من أهل العلم روى عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) وله كتاب، وعدّه الشيخ من أصحاب أبي الحسن موسى.3756ـ أبو أيوب الحرالملقب بالجعفي ثقة جليل روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن روى عنه يحيى بن عمران الحلبي وأبو عبد الله البرقي وقال الشيخ أنه ثقة وله كتاب.3767ـ إبراهيم بن محمد الأشعريالقمي، روى عن الإمام الكاظم، وأبي الحسن الرضا، وثقه جماعة من الأعلام.377
(ب)
8ـ بكر بن الأشعثهو أبو إسماعيل الكوفي، روى عن الإمام، ووثقه جماعة من الأعلام.3789ـ بكر بن محمدهو ابن نعيم الأزدي الغامدي، ثقة جليل من بيت رفيع بالكوفة؛ عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم، عمّر عمراً طويلاً، وله كتاب، وروى عنه عبد الله بن مسكان واحمد بن حنبل.379