استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء وليه العبد الصالح فأهلك عدوه الطاغية الجبار، وأراح العباد والبلاد من شره، وروت أكثر المصادر عن سبب وفاته فقالوا: إن أمه الخيزران غضبت عليه لأنه قطع نفوذها لقصة مشهورة، وأنها خافت على ولدها هارون من شرّه، فأوعزت إلى جواريها بخنقه، فعمدت الجواري إلى قتله وهو نائم.172وبذلك انطوت صفحة هذا الطاغية، ولم تطل خلافته فقد كانت سنة وبضعة أشهر؛ لكنها كانت ثقيلة على المسلمين الذين لاقوا خلالها أصعب المحن، وهل آلم من مشهد رؤوس أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) يطاف بها في الأقطار، وأسراهم يقتلون ويصلبون، لم ترع فيهم لا حرمة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولا حرمة الإسلام، دين المحبة والعدل والتسامح!! كل هذه الأحداث الجسام من المهدي إلى المنصور إلى الهادي إلى الرشيد رآها كلها الإمام موسى بن جعفر بعينه، وشاهدها بنفسه، وذاق ويلاتها، ورافق مآسيها؛ لقد رأى الحق مضاعاً، والعدل مجافى والظلم مسيطراً، والأحرار في القبور وفي غياهب السجون.عاش في غضون صباه وفي ريعان عمره محنة المجتمع الإسلامي وشقاءه فرأى الأدوار الرهيبة التي مرّت به فلم ينتقل من جور الأمويين وظلمهم حتى وقع تحت وطأة الحكم العباسي، فأخذ يعاني التعسف والجور والاستبداد، وأخذت السلطة العباسية تمعن في نهب ثروات المسلمين وإفقارهم وصرفها على المجون والدعارة كما كان الحال أيام الحكم الأموي. ومن الطبيعي أن يكون لكل ذلك اثر كبير في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) المشحونة بالأسى والحزن.وقد أُلام لأنني استرسلت في الحديث عن عصر الإمام (عليه السلام) والسبب في ذلك يعود لما لهذه الأحداث الكبيرة والمؤلمة من أثر في حياة الإمام (عليه السلام) لكنه لم يلن له جانب، ولا تهاون مرّة واحدة، ولم يضعف أمام هول كل هذه الجرائم، بل دافع بكل ما أعطاه الله من قوة، وكظم غيظه، وجاهد صابراً مثابراً مطالباً بحق المسلمين المحرومين، ومناصراً للحق من أجل صيانة الدين والمحافظة على حقوق الأمة الإسلامية.